كانت إسرائيل بحاجة إلى ذريعة لتحكم قبضتها على المسجد الأقصى، بعد خمسين عاماً من الاحتلال والسيطرة الخارجية على الحرم الشريف، وبعد أن وجدت كل الظروف المحيطة تساعدها على تنفيذ خططها المؤجلة، أخرجت مسرحية الهجوم المسلح في ساحة المسجد، وأغلقت الأبواب، ومنعت صلاة الجمعة، وأصدرت تشريعاً برلمانياً كان معداً منذ زمن بعيد يمنع التنازل عن أية قطعة أرض بالقدس إلا بموافقة 80 نائباً.
عندما نقول مسرحية لا نقصد كذب المشاهد التي وُزعت ونُشرت حول حادثة الحرم، ولا ننفي القتل العمد الذي شاهدناه بعد أن فك الجنود الإسرائيليون أحد المهاجمين بعد القبض عليه ليعدموه علناً برصاص من ستة رشاشات، فالواقعة صحيحة، والاقتحام قد تم، والرصاص المستخدم حي وقاتل، والدماء سالت، حصل كل ذلك، لا يستطيع أحد أن ينكره، ولكن الإجراءات التي أقدم عليها نتنياهو وحكومته بعد ذلك تثبت أن إسرائيل كانت تريد حدوث ذلك، فالحرم القدسي ما زال خارج نطاق الاحتلال، وقد أُفشلت كل محاولات تدنيسه من قِبل المستوطنين، لهذا كان لا بد من حدث كبير يبرر أي إجراء لاحق، فكان مرور السلاح إلى داخل الحرم بعد أن عُميت عيون الواقفين خلف الحواجز الأمنية في شوارع القدس ومداخلها وحول الحرم القدسي الشريف.
إذا وُضعت بوابة إلكترونية إسرائيلية واحدة عند الحرم تبعتها عشرات البوابات، وأصبح حال الأقصى شبيهاً بحال الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، بوابات ضيقة وإهانات للمسلمين وتقسيم للحرم ومرور آمن للمستوطنين واليهود، وقد رأيتُ ذلك وتعرضتُ للتفتيش الذاتي بعد البوابات الإلكترونية، وشاهدتُ الحواجز الحديدية الفاصلة بين المسلمين واليهود، وسمعتُ الشتائم أيضاً من خلفها.
نحن نختلف على كل شيء، ولكننا لا نختلف على المسجد الأقصى، أقول هذا الكلام لكل قياداتنا العربية المطالبة بقرار جماعي يصل إلى مجلس الأمن الدولي، وبقرارات من الدول التي لديها معاهدات مع إسرائيل، وبموقف حازم من السلطة الفلسطينية، فالأقصى ليس خطاً أحمر، بل هو نهاية الخطوط، إنه ثالث الحرمين، وهو القبلة الأولى، لا يُعبث به، لا بوابات ولا حوائط ولا منع صلاة ولا سيطرة صهيونية ولا دخول مستوطنين.
الذريعة الإسرائيلية هذه المرة تطال أقدس مقدساتنا، ولن يبررها أحد، بل ستواجه من الجميع