عندما دشنت قطر قناة « الجزيرة »، كانت تستهدف منها صناعة وكر إعلامي مهمته الترويج للإرهاب وتجميل فكر التطرف وتسويقه للجمهور بأسلوب يحرِّض على التعاطف مع الجماعات الإرهابية بمختلف أشكالها ومسمياتها. لكن الأمر تطلب أثناء البدء بتأسيس القناة المرور بمرحلة تمهيدية، تم خلالها الاستعانة بكوادر إعلامية تدربت في لندن وعملت في هيئة الإذاعة البريطانية. وعندما أصبحت المنصة القطرية جاهزة لبث سمومها تبنت بوضوح نهج التعاطف مع المتطرفين والمنظرين للإرهاب في كل مكان.
وبذريعة المهنية وخدعة السبق الإعلامي، ارتضت «الجزيرة» لنفسها القيام بمهمة الذراع الإعلامي لتنظيم «القاعدة» الذي تزعمه بن لادن. ولا تزال ذاكرة المشاهد العربي تتذكر أرشيف القناة ونشراتها الإخبارية التي تحوي ساعات من البث تم تكريسها بوقاحة طوال السنوات الماضية لنشر خطابات ورسائل زعيم «القاعدة» ومؤسسها الإرهابي بن لادن، الذي كان النجم المفضل لقناة الجزيرة القطرية، وبعد مصرعه اتجهت القناة إلى بث الرسائل الصوتية لخليفته المدعو أيمن الظواهري. كما عبثت كثيراً وبتعمد من خلال أساليبها الماكرة في الكثير من الساحات الساخنة، وركزت في صياغة أخبارها وتقاريرها على التلاعب بالحقائق. ولا يمكن للمشاهد الذكي أن ينسى أسلوب «الجزيرة» في تغطية أحداث أفغانستان والعراق والصومال، وأخيراً تغطياتها لأحداث مصر وليبيا وسوريا واليمن. لقد كانت انحيازات «الجزيرة» ولا تزال تميل نحو أيديولوجيا العنف والإرهاب والتوحش، وهي الأيديولوجيا ذاتها التي تتبناها جماعات الإرهاب التي تتناسل وتجد في «الجزيرة» القطرية خير داعم ومروج لجرائمها الوحشية. وإلى جانب مقابلات مراسليها مع أعتى المتطرفين كانت استوديوهات «الدوحة» تدعم عبر محللين ومنظرين وتجار دين كل ما يحدث في ميادين الصراع الملتهبة، من كابول إلى الفلوجة إلى أرياف حلب وحمص إلى بني غازي في ليبيا وتعز في اليمن. وكان المدعو يوسف القرضاوي ضيفاً دائماً على قناة الفتنة ويدعم توجهاتها المتطرفة بفتاواه التي بلغت إباحته العمليات الانتحارية، كما صرح في برنامج حارات معه مشترطاً فقط على من يفخخ نفسه أن يكون بأمر من الجماعة وبمشورتها!
وكلما ظهرت جماعة إرهابية جديدة سارعت قناة الفتنة القطرية إلى تبني خطابها ونشر أخبار قادتها ومنظِّريها، وكان لتنظيم «داعش» نصيب كبير من تغطيات منصة الشر، فحتى تلك المشاهد الدموية التي تصوِّر قيام عناصر «داعش» بقتل المدنيين والمختطفين والتفنن في إزهاق أرواحهم، كانت «الجزيرة» تتلقى المواد المصورة لتلك العمليات البشعة مباشرة من مكاتب الإعلام الداعشية، ثم تقوم ببثها في نشراتها التي تصيغ مفرداتها بلكنة تعاطف مكشوف مع القتلة والمجرمين، دون أن تنسى تنبيه المشاهد إلى أسفها تجاه وحشية وبشاعة المشاهد المرعبة، وهو أسف مفتعل، تفضح سيولة مشاهد العنف التي تكرر القناة بثها مدى زيفه ونفاقه وادعاءاته التي تتخفى وراء ستار أكذوبة المهنية، في حين أن الوصف الأدق لهذا النهج التحريري هو الصلافة في ترويع المشاهد والتماهي مع الرسالة المباشرة التي تريد جماعات التطرف أن توصلها للمتلقي، وهي الترهيب وإحباط المجتمعات ودفعها إلى اليأس والخوف.
وعلى سبيل التذكير بتاريخ قناة «الجزيرة» سيء الصيت، وفي إطار تنبيه وتوعية من يدافعون عن هذه القناة التي كرست برامجها لخدمة الإرهاب والتطرف، نشرت وزارة الخارجية والتعاون الدولي بدولة الإمارات عبر قناتها على «يوتيوب» مقطعاً مصوراً لا يتجاوز أربع دقائق ونصف الدقيقة، تحت عنوان «قناة الجزيرة.. راعية الأيديولوجيات المتطرفة». وتضمن المقطع استعادة لنماذج قليلة من مشاهد تثبت مدى تورط «الجزيرة» ومن يمولها في الترويج للإرهاب وجماعاته وقياداته.
ومن النماذج الصارخة التي تدين القناة وتفضح علاقتها بالإرهاب أن نتائج استفتاءاتها تميل باستمرار لصالح تأييد الإرهابيين، ومنها استفتاء سابق زعمت فيه تأييد الجمهور لما أسمته انتصارات دولة «داعش» في العراق وسوريا!
احتفت «الجزيرة» بمعسكرات تدريب الإرهابيين وكانت القناة الوحيدة المرحب بها من قبلهم. أضف إلى ذلك أن أغلب ضيوف برامجها من رموز التطرف. وبنظرة سريعة على لائحة مراسليها وفريق عملها نكتشف حجم الطاقم الإخواني المتغلغل في كافة مفاصل الشبكة، التي كانت ولا تزال في الوقت ذاته منصة لتدريب المتلعثمين واستقطابهم بناءً على الانتماء الإخواني ومدى التعاطف مع ذيول التطرف، وهذا ما يفسر مغادرة أسماء إعلامية كثيرة للجزيرة على فترات بعد انكشاف نهجها المشبوه.