لا تترك إسرائيل حادثة، إلا وتوظفها، لإثارة الضغائن والكراهية، بين العرب والمسلمين، لأن في إسرائيل فرق تعمل ليل نهار، ولا تكتفي بالشعارات، حول حماية اسرائيل.
البارحة، وقعت عملية الاقصى، واستشهد ثلاثة فلسطينيين، ومن الطبيعي، ان تحظى العملية، بإعجاب بين العرب والمسلمين، والسبب، ان اسرائيل تقتل الفلسطينيين، ولها تواريخ من القتل داخل المسجد الاقصى، او في الحرم الابراهيمي في الخليل، وغير ذلك، فوق رفض العرب والمسلمين للاحتلال، ولانتهاكات المتطرفين الاسرائيليين، كل يومين، للحرم القدسي الشريف.
كل هذا مفهوم. لكن علينا ان نلاحظ كيف توظف اسرائيل العملية، برغم مقتل جنودها، والذي يتصفح صفحات الكترونية اسرائيلية، على مواقع التواصل الاجتماعي، يجد تنديدا اسرائيليا بالعملية، وترحيبا عربيا بها، فتترك اسرائيل التعليقات ضدها، لكن الاهم، ان هناك مئات الاسماء العربية، على هذه الصفحات، تطالب اسرائيل بقتل الفلسطينيين، وتتمنى حرقهم، بل وتحض الاحتلال، على طرد كل الفلسطينيين من فلسطين، والتنكيل بهم، ويخرج بعضهم ليحكي عن تجربته مع الفلسطينيين، في العراق، او لبنان، او مصر، او سوريا، ليؤكد انهم يستحقون الحرق.
مئات الاسماء العربية، اغلبها عربي عراقي، او كردي عراقي، او مصري، او سوري، وجنسيات اخرى، والارجح ان اغلب هذه الصفحات مزورة، تدار من داخل اسرائيل، من اجل اثارة الاحقاد بين اهل المنطقة، وحين قمت بتصفح بعض هذه الصفحات، المؤيدة لقتل الفلسطينيين، والتي وضع اصحابها تعليقات على صفحات اسرائيلية، تبين ان التزوير يجري بطريقة ماهرة جدا، اذ ان بعض الصفحات مليئة بصور وشعارات عراقية كردية، وبعضها مليء بشعارات عراقية تنتمي الى المذهب الشيعي، اما صفحات المصريين، مثلا، فمليئة بصور لمصر، ولعبدالناصر، وغير ذلك.
التعليقات التي تأتي من هذه الصفحات المزورة، وبصور مزيفة، وباسماء لعائلات عراقية او مصرية، تؤدي مباشرة الى رد فعل من بقية المعلقين العرب، فتنهمر الشتائم، على العراقيين العرب، وعلى الكرد، وعلى الشيعة العرب، وعلى المصريين وغيرهم من جنسيات، بما في ذلك صفحات مزورة بأسماء سوريين، فتسبب الفتن بين كل هؤلاء، والهدف خلخلة الموقف العربي، والشعور بالضعف والهوان، وتصنيع احساس ان جزءا كبيرا من امتك يقف ضد الفلسطينيين ويتمنى من اسرائيل ان تقتلهم وتحرقهم، وتدعو الله ان ينصر اليهود على العرب والمسلمين.
المشكلة ان المعلقين العرب الذين يعادون اسرائيل، وكانوا يكتبون تعليقات احتفالية بعملية الاقصى، يصدقون بسرعة ان هذه صفحات عراقية وسورية ومصرية، ويتم استدراجهم سريعا للكراهية ولرد الفعل، لكنها اللعبة الاسرائيلية، المدارة امنيا وسياسيا واعلاميا، بشكل جيد، فالعملية قد وقعت، ولابد من افساد الاجماع، بطريقة مختلفة، اي تسخير اسماء عربية واسلامية، وهمية، عبر صفحات مزورة، تعد بالمئات، من اجل شتم المؤيدين للعملية، وبحيث يكون الشتم هنا، من العرب الى العرب، ومن المسلمين الى المسلمين، وبحيث تخترع تل ابيب صورة، تقول ان ليس كل العرب او المسلمين يعادون الاسرائيليين.
هذه بعض اوجه الحرب النفسية الاعلامية، وحتى لو افترضنا وجود اسماء حقيقية، الا انها نادرة جدا، والواضح ان هناك اقساما في المخابرات الاسرائيلية، مخصصة للحرب الالكترونية باللغة العربية، بحيث نستطيع ان نخمن هنا، ان هناك الاف الصفحات المدارة، اما لصيد جواسيس محتملين، او لتتبع المعلومات، او لتحليل اتجاهات الرأي العام، او لصياغة الاشاعات وتعميمها، او لتأدية مهام، من باب شق الرأي العام العربي والمسلم، في هكذا حوادث، من اجل هز ثقة الناس، بأنفسهم ومحيطهم التاريخي، وقلب بوصلة العداء المتجهة الى اسرائيل، لتصير نحو ابناء المنطقة وبينهم فقط.
علينا ان نتنبه بشكل واضح، اذ ان الاحتلال على عدم مشروعيته وبشاعته، الا ان لديه مؤسسات، وخططا، وفرقا تعمل، وتخطط، وهي تعرف التناقضات داخل الجسم العربي والاسلامي المحيط بها، ولديها القدرة على تثويرها، وفي نموذج عملية الاقصى، دليل على ان الغاية من كل هذه المشاركات المزورة، احباط الفلسطينيين اولا، وجعلهم يشعرون ان لا احد معهم، بينما الواقع سيبقى يقول ان العرب والمسلمين، مهما بلغ ضعفهم، سيبقون السند الاول لفلسطين.