كان قرار منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) بتسجيل مدينة الخليل على لائحة التراث العالمي ضمن القائمة الفلسطينية، أحد أهم الأخبار الساخنة نهاية الأسبوع الماضي. واتخذ القرار في الاجتماع الدولي المخصص للتراث بمدينة كراكوف البولندية، في أعقاب تصويت سري أثار جدلاً ونقاشاً متجدداً، وأيدت القرار 12 دولة عضو في لجنة التراث العالمي، مقابل 3 دول صوتت ضدّه، و6 دول امتنعت. ويشمل ملف التسجيل: البلدة القديمة لمدينة الخليل والحرم الإبراهيمي العتيق فيها.
هذا النجاح الفلسطيني الجديد يؤكد أن الدبلوماسية الثقافية لفلسطين تحقق نجاحات في المجتمع الدولي واختراقات للمنظمات الدولية بوتيرة أسرع مما تحققه الدبلوماسية السياسية!
السفير الاسرائيلي لدى منظمة اليونسكو كان في موقفٍ لا يُحسد عليه أثناء اجتماعات الهيئة الدولية، إذ تلقّى صفعتين متتاليين في ذلك الاجتماع، الأولى: عندما (انتفضت) ممثلة كوبا ضد طلب السفير الإسرائيلي من القاعة الوقوف دقيقة صمت حداداً على ضحايا الهولوكوست، من دون إذن مسبق من رئيس المؤتمر ومن دون تنسيق مع الأمانة قبل بدء الجلسة، كما هو البروتوكول الذي يتّبعه الجميع إلا المتعجرفون! ولم تكتفِ مندوبة كوبا بالتوبيخ الأليم لـ «سعادة» السفير، بل طالبت القاعة بالمثل بالوقوف دقيقة صمت على الضحايا الفلسطينيين، وقد استجابت القاعة بتفاعل أكبر من الطلب الأول، إذ لم يكن الوقوف دقيقة (صمت) بل دقيقة تصفيق للرد الكوبي المنصِف.
ولم يكد السفير الاسرائيلي يفيق من الصفعة الكوبية حتى جاءته بعد يومين الصفعة الفلسطينية بالنجاح في حصد الأصوات الكافية لاعتماد تسجيل الخليل في لائحة التراث العالمي، على رغم الشحن والضغط اللذين مارستهما البعثة الإسرائيلية لصرف الدول الأعضاء عن التصويت الإيجابي.
من يدري؟ لعل الحماقة الاستفزازية التي ارتكبها ممثل إسرائيل قبل التصويت بيومين والرد الكوبي عليه قد ساهما، مع التحشيد الفلسطيني الفعّال، في صنع أجواء منحازة ضد الغطرسة الإسرائيلية.
الأيام الصعبة التي عاشها السفير الاسرائيلي في اجتماع بولندا جعلته يبحث عن متنفّس يخفف به آلام الهزيمة عليه، ويُشغل الإعلام، الإعلام العربي على الأخص، بحكاية بديلة تصرف الأنظار عن الصفعتين الموجعتين على وجهه، وقد نجح للأسف إلى حد كبير، حين أطلق تصريحه الملفت بأن سفيراً عربياً في اليونسكو اعتذر له عن اضطراره للتصويت مع القرار الفلسطيني!
أولاً: الدول العربية المتهمة هي ثلاثة أعضاء في اللجنة فقط، التي لها حق التصويت وهي الكويت ولبنان وتونس، وهذه الدول مشهود لها بمواقفها الداعمة للحقوق الفلسطينية.
ثانياً: لو كان التصويت علنياً لفهمنا تحرّج السفير العربي المتهم، لكن التصويت كان سرّياً، فما الذي يمنعه من الالتزام بوعده المزعوم للسفير الاسرائيلي؟!
الكذبة التخوينية من السفير الاسرائيلي انطلت على كثير من العرب، وتداولتها مواقع التواصل الاجتماعي بشماتة وجلد ذات. لكنها لم تطمس أوجاع الصفعة الكوبية ولا أفراح تسجيل الخليل.
بإيجاز، ما جرى لم يكن خيانة عربية بل تخويناً إسرائيلياً.
نقلا عن صحيفة الحياة