العمر الافتراضي لأي أزمة سياسية ينتهي بحلها، أو تسويتها على أساس المصالحة، والهدنة، والتهدئة، وأي فشل في الوصول إلى تلك الحلول تتحول الأزمة أوتوماتيكياً إلى صراع سياسي طويل ومرير، ولا يمكن أن يكون الحل فيه إلاّ بخسارة طرف وانتصار آخر.
الموقف السياسي في أي أزمة يحمل أوراقاً للتفاوض والمناورة، وليس بالضرورة استخدامها في كل مراحل الأزمة، ولكنها تبقى حاضرة، ومتزامنة في توقيتها مع أي خط هابط أو صاعد لردود الفعل، ولكن في وقت الصراع تتحول المعالجة السياسية إلى إرادة نكون أو لا نكون، وهو المنطق الذي يفرضه تداعيات كثيرة، ومبررات أكثر، وتحديداً حين يكون الصراع مبنيا على وقائع مثبتة على طرف أساء في علاقاته وسياساته للطرف الآخر، ولا يمكن السكوت عن تجاوزاته.
نحن بعد رفض قطر مطالب الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، وتصعيدها لموقفها المتعنت سياسياً، وعسكرياً، وإعلامياً؛ لم نعد نتحدث عن أزمة بل صراع جديد في المنطقة، حيث بدأت إرهاصاته واضحة للعيان مع تدخل دول إقليمية في شؤون غيرها، ومحاولة وضع قدم لها على التراب الخليجي، وانتهاز الفرص لأهداف أكبر من قطر إلى ابتزاز جيران قطر، وتهديدهم، وتعريض المنظومة الخليجية إلى اختراق سياسي وأمني بالغ التكاليف، فضلاً عن ردود فعل المجتمع الدولي المتناقضة أحياناً، حيث تدين الإرهاب وتمويله على المنابر، وحين يكون الواقع المثبت تجاه قطر الداعمة للإرهاب تدعو إلى الحوار والتهدئة!.
هذه التطورات لا تعكس أجواء أزمة بل صراع مخيف، ومثير، وسيبقى وقتاً طويلاً؛ فلا يمكن أن ترضى الدول الداعية لمكافحة الإرهاب أن يبقى في منظومتها الخليجية والعربية دولة ترعى الإرهاب، ولا يمكن أن تستقل قطر بسيادتها مادام قرارها السياسي مخترق من دول وجماعات ومنظمات إرهابية، وبالتالي حالة التمدد للصراع تتسع زمنياً، وتتعدد أطرافه دولياً، والنتيجة لا بد من خاسر في النهاية.
حتماً هي قطر؛ لأنها لا يمكن أن تتحمّل صراعا سياسيا ثقيلا في أطرافه، وتوجهاته، وردود فعله؛ فالقضية ليست إجراءات مقاطعة، بل وجود سياسي من عدمه، وهو ما تدركه حكومة الدوحة، ولكنها لم تُحسن التعامل معه، وكابرت، وراوغت، ولا تزال، رغم البيان المتعقل لوزراء خارجية الدول الرباعية في اجتماع القاهرة مؤخراً.
من صاغ ذلك البيان بنقاطه الست كان يدرك فعلاً أن الأزمة تحولت إلى صراع، وتعامل مع الواقع بنفَس جديد وطويل، فلم يكشف أوراقه ليترك الآخر في حالة تأهب وخوف مستمر، ولم يتنازل عن مواقفه ليكون له قوة التأثير وكسبه في أي وقت.
نقلا عن صحيفة الرياض