تجاوز الرئيس التركي الخطوط الدبلوماسية، يبدو أن الانتماء الحزبي طغى على متطلبات رئاسة دولة تتفاخر بأنها علمانية.
منذ اليوم الأول للأزمة القطرية كان الموقف التركي واضحاً، ولكن الرئيس ووزير خارجيته كانا يحاولان إطلاق قنابل دخانية في الأجواء للتعمية، وكان هناك من يأمل في أن تقف تركيا على الحياد، حتى بعد قرار البرلمان بإرسال قوات إلى قطر.
في اليوم الثالث للأزمة، وضع بعضنا مبررات، فقيل إن الاتفاق على القاعدة العسكرية التركية بقطر اتخذ قبل الأزمة، وقرار البرلمان ليس أكثر من إجراء تشريعي صادف مناقشته والموافقة عليه مع ظهور الأزمة، وبلعنا ذلك التبرير، تماماً كما بلعنا بضع تصريحات لأردوغان نفسه.
خاصة عندما قال إنه مستعد لإرسال قوات تركية إلى السعودية إذا طلبت ذلك، وكان وقتها يحاول أن يقنع العالم بأنه لم يقف مع قطر، وبلعنا التبرير، رغم كل ما عرفناه عن الدور التركي في مساندة الإخوان وإعادة تجميع صفوفهم بعد انهيار تنظيمهم في عدة دول، وبناء قاعدة إعلامية جديدة لهم في إسطنبول، ويديرها الهاربون من بلدانهم.
فانطلقت الفضائيات المحرضة على الإرهاب في مصر وغيرها من الدول التي لا تزال مستقرة، أما الدول الممزقة فقد امتدت إليها يد المتحزبين في تركيا، وشحنت السفن بالأسلحة إلى ليبيا، ومنها إلى تونس ومصر والسودان، وفتحت الأجواء لطائرات عبد الحكيم بلحاج وهي تنقل المرتزقة إلى «داعش» والتنظيمات الإرهابية في سوريا وسيناء عبر إسطنبول.
تدرج الموقف التركي من الأزمة القطرية، وفي «هامبورغ» الألمانية رفعت الأستار، وانتقل رئيس تركيا من الموقف الضبابي إلى الوضوح، بل إلى التهديد، فقد غلب الانتماء الأيديولوجي دبلوماسية الدولة، فإن كان لا يزال هناك من يبرر لهذا الرئيس مواقفه فنحن لسنا معه.
فالوجه الإخواني ظهر جلياً، وما عادت تنفع معه وسائل المجاملة والمهادنة، هو أصبح واضحاً، عندما يقول «إن قطر دولة ذات سيادة، ولن نسمح لأحد المساس بسيادتها» يقصد الدول المختلفة مع قطر، وهي السعودية والإمارات والبحرين ومصر، ولا أحد غيرها.
تجاوز أردوغان الأعراف واتبع هواه، قدم الحزب وفكره على الدولة ومصالحها، واتخذ موقفاً سيكلفه الكثير داخلياً وخارجياً، أما تهديده فلا يخيف أحداً، وشراذمه لا قيمة لهم، والسيادة القطرية نحن أحرص عليها منه.