ليس في دعوة «حزب الله» الحكومة اللبنانية الى التعاطي المباشر مع النظام السوري من اجل ترتيب عودة اللاجئين السوريين الى بلدهم سوى تعام عن الحقيقة والواقع واحتقار لهما. هناك محاولة واضحة تستهدف جرّ لبنان نحو ان يكون جزءا لا يتجزّأ من «محور الممانعة» الممتد من طهران، الى بغداد، الى دمشق، الى بيروت.
تقول الحقيقة والواقع ان هؤلاء النازحين السوريين موجودون في لبنان بسبب الحرب التي يشنّها النظام السوري على شعبه والذي صار «حزب الله» شريكا فيها من منطلق مذهبي قبل ايّ شيء آخر. هل هناك عاقل يستطيع نفي هذا الكلام، خصوصا اذا عاد الى بدايات الثورة السورية ولجوء النظام على وجه السرعة الى القمع من اجل اطفائها؟
يطرح ذلك سؤالا في غاية البساطة لم يعد مفرّ منه في مناسبة كلّ هذه الدعوات الى التعاون مع النظام السوري وفتح خطوط معه: هل يسيطر هذا النظام على الأراضي السورية اوّلا كي يعود هؤلاء الناس الى مدنهم وبلداتهم وقراهم ويعيشون فيها بأمان؟
لو كان الحزب حريصا في الأصل على السوريين وعلى بقائهم في ارضهم، لما كان ساهم في حملات التهجير في دمشق ومحيطها وفي مناطق اخرى من اجل تغيير طبيعة العاصمة السورية.
الموضوع في نهاية المطاف موضوع خيار لبناني وذلك بغض النظر عن كون النزوح السوري الى لبنان قنبلة موقوتة لا بد من إيجاد علاج لها. تبدأ المعالجة من حيث يجب ان تبدأ، اي بوقف المشاركة اللبنانية، عن طريق «حزب الله» في قتل السوريين وتهجيرهم. مثل هذه المشاركة لا يمكن الّا ان تكون لها انعكاسات في غاية الخطورة في المدى الطويل، خصوصا ان لا مستقبل للنظام السوري الذي صار في مزبلة التاريخ. مثل هذه المشاركة ستخلق عداء شديدا بين الشعب السوري واللبنانيين الذين يتعاطون معهم بعنصرية، كما يفعل «حزب الله». يعبّر الحزب عن مصالح ايران واستخفافها بمصير الشعب السوري ومستقبل العلاقة بين اللبنانيين والسوريين.
من هو حريص على لبنان ومن يدّعي محاربة الإرهاب، لا يفعل كلّ شيء من اجل تغطية الجرائم التي يرتكبها نظام أخذ على عاتقه في كلّ وقت اذلال السوريين وارهابهم. تعاطى النظام مع السوريين وكأنّهم بمثابة عبيد لديه. تعامل معهم بالسلاح الكيميائي والبراميل المتفجّرة ولجأ الى تدمير المدن الكبيرة والى عمليات تبادل للسكّان من منطلق مذهبي حيث دعت الحاجة الى ذلك.
قليل من المنطق يبدو مفيدا هذه الايّام. وقليل من المنطق يعني، اوّل ما يعني، التفكير في كيفية الخروج من المستنقع السوري بدل الغرق فيه اكثر فأكثر من دون ان يعني ذلك تفادي البحث عن حلول ومخارج لمشكلة ضخمة اسمها النزوح السوري الى لبنان.
لا بدّ من الاعتراف بأنّ هناك مشكلة لا يمكن الهرب منها. في اصل المشكلة النظام السوري نفسه الذي لا يجد عيبا في تغيير الطبيعة الديموغرافية لسورية متجاهلا انّه سيصطدم عاجلا ام آجلا بحاجز الأكثرية السنّية وذلك مهما فعل بالمدن الكبيرة ومهما قتل من السوريين ومهما اشرف على عمليات تبادل للسكان كما حصل أخيرا.
ليس التعاطي مع النظام السوري المدخل لمعالجة ايّ مشكلة مرتبطة بما يدور في سورية، بما في ذلك مشكلة النازحين الى لبنان. لو كان النظام السوري يريد، هو و«حزب الله» مصلحة لبنان، لكانا قبلا ان يشمل القرار 1701 منطقة الحدود بين البلدين. الدخول في حوار مع النظام السوري لا يعيد نازحا واحدا الى سورية، انّما يلبي مطالب ايران التي تبدو في هذه الايّام على عجلة من امرها، خصوصا لجهة فرض امر واقع في لبنان.
فحوى الموضوع كلّه ان ايران تريد اثبات ان «حزب الله» يسيطر على لبنان، مثلما ان «الحشد الشعبي» يسيطر على العراق. تستطيع الحكومة اللبنانية التلهي بالماء والكهرباء وسلسلة الرتب والرواتب. يستطيع الجيش القيام بمداهمات في عرسال وغير عرسال. المهمّ بالنسبة الى ايران اثبات ان لبنان تابع لها وانّه مجرّد مستعمرة تدور في فلكها. هذا ما يدفع «حزب الله» الى الدفع في اتجاه الاعتراف بالنظام السوري الذي لا يمتلك ايّ شرعية من ايّ نوع كان باستثناء انّه قادر على استقدام ميليشيات اجنبية تنتمي الى مذهب معيّن للدفاع عنه. لا يجمع بين هذه الميليشيات سوى الولاء لإيران التي تسعى الى تكريس واقع اسمه «البدر الشيعي».
آن الاوان كي يتنبّه اللبنانيون الى هذا الواقع الأليم الذي في أساسه رفض حكومة «حزب الله» التي ترافق تشكيلها برئاسة نجيب ميقاتي مع اندلاع الثورة السورية في مطلع العام 2011. رفضت تلك الحكومة في وقت باكر إقامة مخيمات في مناطق آمنة على الحدود السورية ـ اللبنانية كي يبقى وجود النازحين مضبوطا. كذلك، لا يمكن تجاهل ان المجتمع الدولي تجاهل البحث عن حلول لمشكلة النازحين وبقي همّه محصورا في الحدّ من انتقالهم الى البلدان الاوروبية.
من يقرّر ما هي مصلحة لبنان؟ الأكيد ان دور «حزب الله»، خصوصا بعد تورّطه المباشر في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري، صار يتجاوز لبنان. انّه جزء من الأدوات الايرانية المستخدمة في خلق واقع جديد على الصعيد الإقليمي. لم ينكشف دور «حزب الله» في لبنان وسورية والعراق والبحرين فحسب، بل انكشف في اليمن أيضا.
ليست الدعوة الى الدخول في مفاوضات مع النظام السوري بريئة بأيّ شكل. تنمّ هذه الدعوة عن رغبة في تكريس لبنان عضوا كامل العضوية في المنظومة التي تتحكّم بها ايران في المنطقة. وهذا ما جعل السيد حسن نصرالله الأمين العام لـ «حزب الله» يتحدث في خطابه الأخير في مناسبة «يوم القدس» عن امكان «فتح الأجواء» امام تدفق آلاف العناصر التابعة لميليشيات شيعية، من ايران والعراق وافغانستان وباكستان واليمن على لبنان.
من حسن الحظ ان لبنان ما زال يقاوم. تفرض مثل هذه المقاومة اللبنانية للاطماع الايرانية عدم تجاهل مشكلة النازحين السوريين وكيف البحث عن حلول لها بعيدا عن أي نوع من العنصرية وبعيدا عن الاعتقاد بأنّ الحل يمكن ان يكون امنياً. فأي تصرف يتسم بالعنصرية وأيّ حل امني لا يمكن الّا ان يرتدا على لبنان عاجلاً أم آجلاً… مع الأخذ في الاعتبار ان مصلحة لبنان هي آخر هموم «حزب الله» والذين يقفون خلفه.
نقلا عن صحيفة الراي الكويتية