ليس هناك دولة في الشرق الاوسط وربما في العالم اكثر سرورا وسعادة من ايران لما يحدث من مقاطعة ربما تتحول الى قطيعة بين قطر وشقيقاتها في مجلس التعاون الخليجي، رغم ان طهران لاتزال تتعامل مع الازمة بحذر واضح نظرا لتعقيداتها وتشابكاتها الاقليمية والدولية، والتقاء المصالح وتعارضاتها في ان واحد، هذا عدا عن ان عدم وضوح مستقبل الازمة وتداعياتها المتوقعة، يجعل من الحذر واجبا مع الاخذ بعين الاعتبار ان الحذر والتقية السياسية اصلان اساسيان من اصول السياسة الخارجية الايرانية تجاه العديد من الازمات في المنطقة، خاصة تلك التي تتصف بعدم الوضوح في معالمها اسبابا ونتائج .
وسعادة طهران لاتأتي من انها ستحقق مكاسب اقتصادية وسياسية كبيرة مع دولة مثل قطر صغيرة في المساحة وعدد السكان لاتستهلك سوى القليل، ويستحيل بناء علاقة استراتيجية دائمة معها تجعل من قطر موطئ قدم لها في الخليج، يماثل حضورها في العراق وسوريا ولبنان . بل تأتي من انها ستحقق مكاسب ولو مؤقتة يمكن استغلالها في نزاعها مع اكبر دولة خليجية وهي السعودية، ترتكز على ان الوحدة الخليجية بدلا من أن تذهب الى تطور ايجابي اكبر، يصل الى شكل اتحاد وهو مقترح سعودي سابق، هذه الوحدة، اصبحت جزءا من الماضي. كما ان الازمة الخليجية ستؤدي في النهاية الى تفكيك مبكر للتحالف العربي والاسلامي الذي حاول انشاءه الرئيس الامريكي دونالد ترامب ضد ايران خلال قمم الرياض الاخيرة . املة ان تكون احدى نتائج الازمة النهائية، اضعاف او تقليل حجم المعارضين في المنطقة لسياسات ايران التدخلية في العالم العربي بسبب الانقسامات بين الدول حول الموقف من الازمة، والتي ستنعكس على مواقفها في قضايا عديدة من بينها الموقف من ايران .
لاتامل طهران في انها يمكن ان تقيم علاقات استراتيجية كاملة مع قطر كما ذكرنا، لان الخلافات المستترة والمعلنة بينهما تحول دون ذلك . حتى لو حاول البلدان التغلب عليها على وقع الاندفاع نحو تعميق الانحيازات في المنطقة بسبب الازمة الحالية، فتسوية هذه الخلافات، تحتاج الى وقت طويل قد تجري خلاله في نهر الازمة الخليجية مياه كثيرة تعيق هذه التسوية، فطهران والدوحة تختلفان بشكل غير معلن حول ادارة وسبل تسويق حقل الغاز الشمالي الذي يشترك البلدان في ادارته . كما ان علاقات قطر مع واشنطن ووجود القاعدة الامريكية الكبرى في قطر والقاعدة التركية، يجعل من المستحيل اعتبار قطر نافذة ايرانية الى الخليج، اضافة الى خلافات البلدين حول دعم قوى المعارضة في سوريا، وعلاقات قطر الايديولوجية والسياسية مع الاخوان المسلمين، والعميقة الى حد كبير مع تركيا، رغم ان ايران مستعدة لتجاهل علاقات الدوحة مع اسرائيل، تلك العلاقات التي تشير بشكل واضح الى سياسة قطر المعقدة في المنطقة ومحاولتها جمع المتناقضات في ان واحد، وهو امر يصعب على المتابع لها فهمها او استيعاب اهدافها .
تنادي طهران بالدعوة الى الحوار لحل الازمة،وهي دعوة مشكوك في مصداقيتها . كما انها تكتفي باجراء اتصالات مع قطر وسلطنة عمان والكويت للتعرف على تطورات الازمة وامكانات حلها ليس الا. فهي تعرف انها لاتستطيع ان تكون وسيطا لانها تفتقر الى ثقة الطرف الاخر في الازمة بالشكل الذي حدث مع محاولة تركيا التوسط فيها، في الوقت الذي اعلنت فيه انقرة انحيازها لطرف دون الاخر، ما جعل من الوساطة التركية مجرد جهد ضائع لن يتكرر، كما اثرالموقف التركي بمجمله سلبا على علاقات تركيا مع الدول الخليجية الاخرى .
كما تعرف طهران ان الطرف الخارجي الذي يمكن له ان يؤثر بفاعلية في الازمة الخليجية هي الولايات المتحدة دون غيرها، وهو امر يبعد طهران اكثر فاكثر عن التدخل بشكل اوسع واكبر، فواشنطن تكتفي في الوقت الحاضر بالوقوف على مسافة واحدة من الاطراف المتنازعة، فمصالحها الحيوية مع الطرفين تقتضي هذه السياسة غير الواضحة وربما غير المفهومه .
تلقي طهران على السعودية من خلال هذه الازمة، باتهامات كثيرة لها حمولة دعائية اكثر من حمولتها الواقعية والحقيقية، ففي اطار هذه الاتهامات تقول طهران ان السعودية تسعى لابتلاع قطر والبحرين، كما فعل صدام حسين مع الكويت في تسعينيات القرن الماضي، غير ان هذه الاتهامات لايمكن تصديقها لمن يتابع تطورات الازمة بوضوح تام وبموضوعية تخلو من المواقف المسبقة المعارضة للسعودية والمؤيدة لايران او قطر، كما تركز طهران على مسالة سياسية تعتبرها نتيجة طبيعية للازمة من وجهة نظرها، وهي ان احد اهم المحرمات في المنظومة الخليجية قد تم اختراقه وتجاوزه، ومفاده ان دولا خليجية لم تعد تعتبر ان السعودية هي الشقيقة الكبرى التي يجب الالتزام او التوافق معها في سياساتها ومواقفها تجاه قضايا المنطقة والعالم، وهو ما تعتبره طهران مكسبا سياسيا لها في اطار نزاعها العميق مع الرياض .
يمكن اختصار موقف ايران من الازمة، بان خيارات طهران ومساحة مناورتها فيها ما زالت محدودة وستظل كذلك، نظرا لكثرة الابواب المغلقة امامها للتدخل وممارسة انتهازيتها السياسية لاستغلال الخلاف الخليجي، ما يفرض الحذر والانتظار لما يحدث ومما سيأتي، مع الالتزام بسياسة عدم التجاهل بل والمتابعة عن قرب، في منطقة جوارها التي تعتبرها ايران من اولوياتها السياسية والمذهبية والاستراتيجية على المديين القريب والبعيد .