انتهت مهلة الدول الأربع -السعودية والإمارات والبحرين ومصر- بنزول قطر من السفينة، إذ أخذتها جهالة المكابرة إلى حيث ألقت. في الحقيقة، كانت قطر بين خيارين، إما أن تستسلم أمام وقع الخسائر التي تكبدتها في رحلة مقامرتها، أو تحاول التعويض بالاستمرار في اللعب، والمراهنة أكثر فأكثر. لكن كأس الخيانة كانت الوحيدة على طاولتها، وقطر شربت منها حتى ثملت، فكان رجاء استفاقتها بعيد المنال!
على كل، يبقى تأثير قطر الحديثة الإيجابي محدوداً جداً، كدويلة صغيرة، تاريخها لا يتعدى ثلاثة انقلابات وتمكن كتابته في صفحة الحوادث في أي جريدة. بلا حضارة، ولا صناعة، أو عدد سكاني يعتد به. عسكرياً، قطر التي تستظل اليوم في ظل «الحامية» التركية، ليست بالقوة التي يعوّل عليها، يكفي أنها ترى القواعد الأميركية على أرضها بمثابة الضامن لأمنها، والعلاج من رُهاب الجار القوي الذي ترتعد فرائصها خوفاً منه، بلا مبرر، سوى أنها تنظر إليه من المبدأ ذاته الذي تضمره له!
أما من الناحية الاقتصادية، فإن صدمة الثراء الفاحش التي حلّت على قطر، ربما تكون هي أسّ البلاء، إذ شكّلت بالنسبة الى حكومتها حالاً مرضية تسمى: New money syndrome أو «متلازمة محدثي النعمة»، بتداعياتها التي غيبتها عن الواقع، وأورثتها شعوراً بالضغينة والغيرة تجاه محيطها الذي يمتلك جميع المقومات، في حين تمتلك قطر المال بلا أي مقومات. يبدو أن ذلك كان السبب الذي جعلهم يتجهون إلى لعب الأدوار التي تفوقهم حجماً، عندما لبسوا بدلة السوسة، التي حققت لهم مكاسب لا تخطر في بال دولة بهذه الضآلة. وللتاريخ، قطر نخرت الجسد العربي، بعد أن أتقنت دورها باقتدار، في حين عملت على شراء كل شيء، بما في ذلك البشر والحجر والولاءات. ظنوا أنهم بذلك يصنعون لأنفسهم مكانة بين الأمم، لكنهم اكتشفوا متأخرين -في خضم المقاطعة- أن العالم لا يزال ينظر إليهم على أنهم «مجرد» قطر!
لا أحد يرغب في تفاقم الأزمة، هذا صحيح، لكن واقع الحال يشير بدلالاته إلى أن منافعها أكثر من سلبياتها، ولعل انشغال قطر بنفسها أصبح بمثابة الساتر للوطن العربي، يقيه شرور شياطينها، فالريال القطري لم يعد مغرياً بعد أن بدأت محلات الصرافة تحتجب عنه، وقناة «الجزيرة» مشغولة في التسويق لفكرة «الحصار»، تجر خلفها جميع الوسائل الإعلامية المدعومة قطرياً. شاهد الجميع انفكاك الخناق عن دولة المغرب، إذ كانت تنفث سمومها في حراك «الحسيمة» – على سبيل المثال – ونالت بأبواقها من الملك محمد السادس، قبل أن تتذكر أنه الشريف بن الأشراف، لكن بعد المقاطعة!
النماذج على التلون القطري «الحربائي» أكثر من أن تحصى، ويشار إلى أن آخرها كان تجاهل مؤتمر المعارضة الإيرانية الحاشد في باريس، من أجل عيون رفقاء نضالهم، القابعين في طهران.
اللعب «عالمكشوف» يعد مكسبا مهماً للدول التي عانت جراء التغاضي، بسبب «أشياء» من قبيل: أشقاؤنا، وروابط الدم، وحقوق الجار، وما إلى ذلك مما لا يسمن في سوق السياسة، ولا يغني من جوع! قطر بالغت في تقدير ذاتها، وبالغ جيرانها كثيراً في الصبر عليها، حتى سعت إلى تمزيق لحمة الخليج، وكم تمنت لو أنها تمكنت من الرقص على جثث أسوده، كما رقصت على جراح ملايين العرب، في ليبيا وسورية واليمن والعراق ولبنان، وكادت تفعل الشيء ذاته في مصر، عبر جماعة الإخوان المسلمين، لولا الوقفة الحازمة التي وأدت طموحهم، وأعادتهم إلى جحورهم التي ناضلت قطر، خدمة لأهدافها، في سبيل إخراجهم منها.
الخاسر الأوحد من تحالفات قطر المشبوهة هو شعبها، الذي سيحتار عما قريب، بين أن يلطم إلى جانب قوات الحرس الثوري الإيراني، أو يأخذ «لفّة» على ضريح أحد «العصمليين» الجدد، بعد أن رمته سلطات بلاده على صخرة صلداء، حين اشترت سكوت مواطنيها بالمال، حتى انغمسوا في ملذاته، وأصبح الحصول على قروض شخصية لأغراض التباهي غاية طموحهم، بحسب دراسة أعدتها جامعة قطر عام 2016، ونشرتها وكالة أنباء «رويترز» في العام ذاته، أظهرت نتائجها أن «الكثيرين يقترضون مبالغ ضخمة من المصارف المحلية، لتمويل أنماط من الحياة لا يسعهم تحمل كلفتها»!
قطر في وضعها الحالي تشبه السبّاح الذي قطع شوطاً كبيراً داخل البحر، لكن فاته أنه سيواجه عند عودته الأمواج المنحسرة عن الشاطئ، فلا مهارته تساعده، فقواه لن تسعفه، ولا الوقوف مكانه سينقذه، فالمياه ستقذف به بعيداً.
* كاتب سعودي