نون والقلم

ملعون.. أبوالسياسة

هزتنى، وأكيد، هزت قلوب الملايين صورة الطفل السورى الغريق الملقى على شاطئ البحر المتوسط. وتساءلت: ألم تحرك هذه الصورة قلوب الذين صنعوا مأساة الشعب السورى.. وهم للأسف أطراف متعددة ولكن أحداً ـ من هؤلاء ـ لم تحركهم مثل هذه الصور.. فكم من الطغاة صنعوا، وارتكبوا فظائع عبر الزمن.

ولكننى أرى المأساة السورية غير مسبوقة. فإذا كان الطغاة ذبحوا شعوباً وارتكبوا مجازر رهيبة مثل المغول والتتار والأتراك.. فإن الأمراض والأوبئة أبادت شعوباً كذلك، مثل الطاعون والكوليرا.

<< ولكننى أرى ـ من الحكام ـ من تجاوزت جرائمهم كل هؤلاء الطغاة، وأيضاً كل هذه الأوبئة.. كل ذلك من أجل أن يظلوا على كرسى السلطة والحكم، حتى ولو تم ذلك على أشلاء شعوبهم.. ومن المؤكد أن بشار الأسد.. فى مقدمة هؤلاء.

إذ لم يعرف التاريخ حاكماً تمسك بالحكم، كما فعل ويفعل هذا الحاكم.. مهما كانت حجته للبقاء على كراسى الحكم.. وفى المقابل نعرف حكاماً تركوا السلطة والسلطان حتى لا تسقط دماء مواطن واحد من أبناء شعوبهم.. ومن هؤلاء الملك فاروق الذى رفض أن يقاوم قادة يوليو 1952 رغم أنه كانت معه وحدات عديدة من القوات البحرية ومن القوات الجوية.. وغيرها.. ورحل الرجل فى هدوء، ورغم ذلك شوه رجال يوليو 1952 صورته وصورة كل أسرته.. ونسوا ما قدمته هذه الأسرة لمصر ولشعبها.

تماماً كما فعل الرئيس حسنى مبارك، الذى رفض أن يهرب ويغادر أرض الوطن كما فعل غيره من الحكام.. ورغم ذلك تعرض ومايزال للمهانة والمحاكمة، ونسوا كل ما قدمه للوطن فى بداية حكمه.

<< ونعود لمأساة سوريا وشعبها.. وتمسك الأسد، بالحكم بل ويشارك فى قتل شعبه، ولو تحت وهم وشعار، أنه يقاوم المتآمرين.. وبسبب هذا الحاكم يسقط كل يوم المئات من شعبه ضحايا له ولسياسته.. وأيضاً كضحايا لما يحاك لسوريا الغالية.

كل ذلك لم يتحرك العالم.. ولا يهم أن يكون هذا الطفل كردياً من كوبانى ـ الذى غرق أيضاً وشقيق له كذلك، ولا يهم أن يكون الضحايا شيعة أم من السُنة.. المهم أن تستمر المؤامرة حتى نجد الآن أكثر من أربعة ملايين سورى هربوا لاجئين تاركين بلادهم.. يبحثون عن الأمان.. ولكنهم يهربون من الموت الى الموت. وهناك سبعة ملايين سورى يهربون من الموت داخل سوريا.. وكل ذلك لم يحرك إنسانية حاكم ممن يتآمرون على سوريا.

<< حقيقة قدم الأشقاء فى السعودية والإمارات والكويت مساعدات مالية ودوائية للشعب السورى.. ولكن طول مدة المأساة السورية وقد استمرت ـ حتى الآن ـ أكثر من أربعة أعوام هبط بالحس الإنسانى  عند الأمم المتحدة، التى خفضت من مساعداتها للشعب السورى.

هنا أقول: أليست هجرة من استطاع من الشعب السورى أن يهرب بروحه.. تاركاً ماله وعقاراته وتجارته ـ أشبه ما تكون من المسلمين الأوائل الذين هاجروا ـ وفروا بدينهم الجديد ـ الى المدينة المنورة.. أقول ذلك، لأن النبى صلى الله عليه وسلم ـ بعد أن هاجر من مكة الى المدينة، وكانت مكة أحب الأماكن الى قلبه ـ قد آخى بين المهاجرين من مكة والأنصار من أهل المدينة وجعل من كل مسلم ـ بالمدينة المنورة ـ أخاً لمسلم من المهاجرين.. وجعل الأنصار يقتسمون أموالهم  مع هؤلاء المهاجرين الفارين من ظلم الكفار الطغاة فى مكة.. فأين نحن الآن ونحن نرى شعباً عربياً يتعرض لأبشع جريمة ربما لم تعشها شعوباً أخرى على مر التاريخ.

<< وأقولها من جديد: ملعون أبوالسياسة.. وملعون أبو كل الطغاة.. حتى ولو كان منهم من يذرف الدمع على الأطفال الضحايا الغارقين فى مياه المتوسط.. أو فى غابات شرق أوروبا.. طلباً للحياة.. ولكن ماذا نقول فى شعوب ضاعت بسبب الأوبئة والأمراض.. وماذا نقول فى شعوب ضاعت بسبب تسلط حكامها مهما كانت ادعاءاتهم.. وأسبابها.. لأن الشعوب لن ترحم.. والتاريخ سيلعن كل هؤلاء.. الذين فقدوا حتى إنسانيتهم.

<< ماذا لو قدمنا أضحية عيد الأضحى لأطفال سوريا بدلاً من أن نقدم لهم الأسلحة ووسائل القتل.. والتدمير.

نقلا عن صحيفة الوفد المصرية

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى