ليست إلا حرب السلام، سلام اليمن والمنطقة. تؤكد هذا اليقين المشاهدات على الأرض في عدن المحررة، حيث بشارة يمن المستقبل تلمع ضحكة فرح في عيون الكبار والصغار، وحيث شمس اليمن السعيدة تشرق بدءاً من عدن الثقافة والتاريخ والحضارة والتجارة، نحو الانتشار الواثق في أفق اليمن وفي أرض اليمن، أما جدة وجدية ما حدث فقد حق أن تتناولها الركبان، وكأن تاريخ الأخوة العربية المهمل في زاوية ما من زوايا التاريخ يعيد نفسه، لكن في الشكل الأوضح والأبهى تجلياً هذه المرة، فقد تم تعاون عربي حقيقي بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة، وبمشاركة فعالة ومؤثرة من دولة الإمارات العربية المتحدة، أقل ما يمكن أن يقال فيه أنه تعاون ملموس، يلمس بالعقل والقلب والوجدان واليدين، وأنه إشارة إلى القدرات المهمة الكامنة في منطقتنا وفي أمتنا، وعندما بادرت دولنا إلى نجدة الشعب اليمني وتكريس شرعية قيادة، كان أمن اليمن هو الهاجس الشاغل، سواء في حد ذاته، أو في كونه ركناً محورياً وأساسياً في أمن الخليج والجزيرة العربية والوطن العربي من خليجه إلى محيطه. تصح هنا مقولة أن أمن المنطقة من أمن اليمن كما لا تصح في أي زمن آخر، ولم تكن حرب سلام اليمن إلا السباق الحقيقي مع الوقت نحو استرداد اليمن، ذلك الجزء العزيز من الوطن العربي ومن التاريخ العربي، وهل مستقبل خارج التاريخ أو تاريخ خارج المستقبل؟
في حرب سلام اليمن تختلط مشاعر لا حصر لها، فقد كاد العرب في لحظة بدت أنها تتكدس في الخاصرة الجنوبية لجزيرة العرب يخسرون اليمن لصالح أجندة إيرانية وخارجية. تمرد جماعة الحوثي هو بالضبط محاولة سرقة هذا الجزء العزيز من الأرض العربية من أهله، وخدمة أيديولوجيات دخيلة وسياسات خطط لها ولسيطرتها بليل، وقال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز كلمته التي هي في الوقت نفسه كلمة أشقائه: إعادة الأمل إلى اليمن عبر عاصفة الحزم.
الدور السعودي في تحرير عدن وتكريس شرعية الرئيس هادي على كامل التراب اليمني دور بارز ومعلوم، ومعه تبدو العلاقة استراتيجية بين دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية في الشكل الأكمل والمضمون الأفضل، حيث تعمل قيادتا البلدين في إطار «عاصفة الحزم» وفي الأطر السياسية عامة منذ فجر أزمة الخليج إلى قمة الرياض واجتماع الرياض التكميلي وقمة الدوحة، وإلى الجولات المكوكية المتبادلة بين البلدين الشقيقين، على مستويات متعددة، في خلال الشهور الأخيرة، على تأمين أمن واستقرار وتنمية اليمن، وذلك هو جوهر فكر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.
هذه العلاقة الاستراتيجية مستمرة لأنها تملك داخلها مقومات استمرارها، وتوجهاتها، في المجمل والمفصل، صون تقدم وتنمية وخير إنسان المنطقة بسياج قوي من الأمن والاستقرار والعدل، وحرب سلام اليمن، في السياقات المتعددة، تلتقي وتتكامل مع حرب السعودية والإمارات ضد جماعات التطرّف والإرهاب والتكفير أياً كان مصدرها أو منهلها، ونتيجة انسجام فكر الدولتين الشقيقتين وهما تواجهان الإرهاب تشريعاً وعملاً واعياً على الأرض أصبحت واقعاً هو محل اعتزاز شعبي البلدين والعرب الشرفاء في كل مكان. العلاقة الاستراتيجية بين دولة الإمارات والمملكة العربية والسعودية اليوم تجسد عنواناً مضيئاً من القوة والثقة والطمأنينة لشعوب المنطقة، كما تؤشر إلى حاضر ومستقبل فيهما قيمة الإنسان هي العليا والمطلقة.
وعلى أرض اليمن الذي كان سعيداً وسيعود، امتزج الدم الإماراتي والسعودي بالدم اليمني في واحدة من أصدق وأخلص حروب العصر نحو تحقيق إنسانية الإنسان بعيداً عن استعباده وإخضاعه لأية أيديولوجية لا يؤمن بها أصلاً، ما أعاد إلى القرار العربي هيبته، وإلى الإنسان العربي كرامته. عاصفة الحزم لهذه الجهة نقطة تحول مركزية في تاريخ العرب الحديث والمعاصر، ولها، بالتأكيد، ما بعدها.
لذلك لا بد من تذكّر صناع هذه اللحظة التاريخية الطويلة والعميقة، خصوصاً الشهداء الذين قدموا أرواحهم الغالية فداء لوطنهم وأهلهم وأمتهم، خصوصاً الشباب المرابط الآن، في هذه اللحظة العربية الطويلة بكل المعاني، حيث للمجازي ثقل الحقيقي في الإلحاح والحضور.
إذا عدنا إلى الحقيقي الذي لم نغادره أصلاً، نجد أن مشاهدات الواقع اليمني تشير، بالقوة ذاتها، إلى قرب تحرير أرض اليمن بالكامل، وما تم في عدن اليوم يتم في غد قريب، أقرب مما يتصور البعض، في صنعاء، وبذلك يعود الطائر اليمني إلى جناحيه اللذين يحلق بهما عالياً وبعيداً إلى أرحب الآفاق وأجمل الاحتمالات، وما هي إلا أسابيع قليلة ويعود، مع إطلالة عيد الأضحى، إلى أرضه وشعبه، الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي يجري الآن تأمين مقره الرئاسي في عدن.
الدور العربي في اليمن بقيادة السعودية وبالمشاركة الإماراتية الفاعلة تجسيد حقيقي للأخوة العربية في الشكل الأجمل والمضمون الأمثل، حيث تلبية نداء شعب شقيق لا يقبل، لا يمكن أن يقبل أيديولوجية دخيلة لا يؤمن بها، أو سطوة فئة قليلة استولت على حكم البلاد، متجاوزة ما اتفق عليه من مسار سياسي بمعرفة مجلس التعاون والجامعة العربية والأمم المتحدة.
وها هو التحالف يتقدم على الأرض نحو تحرير صنعاء، وبالتالي تكريس شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي بشكل كامل، والرسالة واضحة: للمنطقة قرارها، ولا مكان لتدخل أجنبي أو إيراني، ولا مساومة أو تهاون حين يتعلق الأمر بالأمن، وهل الأمن إلا الوجود والمصير؟ من الآن سوف يفكر الإعداء التاريخيون وغيرهم مرات ومرات قبل أن تسوِّغ لهم أنفسهم التعدي على منطقة الخليج والجزيرة، فلهذه البلاد من يدافع عنها بكلمة الحق، وبحرب تشهد الدنيا كلها أنها واحدة من أصدق وأخلص الحروب من أجل تحقيق إنسانية الإنسان في اليمن وفي الوطن العربي بأكمله.
مشاهدات الواقع في عدن، إلى ذلك، تشير بيد البشارة، إلى بطولة أبناء الإمارات الذين أثبتوا بطولات أسطورية في خطوط المواجهة الأمامية، وأكدوا، بمواهبهم وهباتهم، انتماءهم إلى دولة كبيرة وجيش بطل.
حب الوطن، قيمة التضحية، الانتماء للإمارات والولاء للقيادة، الدم الإماراتي الذي روى أرض اليمن فأيقظ عنقاء قرى اليمن الجبلية، وأعاد إلى الأساطير اليمنية مجدها، وللشعراء منذ وضاح اليمن إلى البردوني نور العيون والأفئدة والقصائد، دعاء أمهات الشهداء وهن يستقبلن بشوق الروح محمد بن راشد ومحمد بن زايد، تلك إمارات من الإمارات، وليس في المقبل إلا مزيد إقبال.
المرجو، ونحن نتقلب في سياقاتنا المزهوة بالحقيقي يقترب من المجازي حتى يكونا شيئا واحدا، استمرار الجهود الواعية نحو تحرير صنعاء الوشيك، ونحو بسط إرادة شعب اليمن على كامل التراب اليمني، فالإمارات التي تقدم «الأنموذج» في التنمية بكل أنواعها خصوصاً التنمية الاقتصادية والسياسية، تسهم في إقرار السلام في المناطق التي تعاني من النزاعات والتوترات، وها هي اليوم تتوج، عبر تحرير عدن، سلسلة من الإنجازات والانتصارات.
والآن، بعد ذلك كله، تتوج دولة الإمارات جهودها الإنسانية التي لم تنقطع عن اليمن في يوم من الأيام بحملة «عونك يا يمن» عبر مشاركة لافتة من هيئة الهلال الأحمر، ونجدة شعبية تدل على وفاء شعب الإمارات، ويأتي ذلك بعد تأهيل مطار عدن، وتوليد الكهرباء، وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية.
هو دور الدولة «الأنموذج» لا ريب. الأنموذج يتحقق في أشكال وتجليات متعددة، وكما أن أهل عدن واليمن يطالبون المملكة العربية السعودية والإمارات بالمضي في هذه الحرب ضد الحوثي والمخلوع صالح حتى تحرير آخر شبر يمني وضمان إعادة الأمن والاستقرار إلى اليمن، فإننا، معشر إعلاميي ومثقفي الإمارات، ننظر إلى هذا المنجز المذهل بكل الاعتزاز والاعتداد، راجين الله تعالى أن يتقبل شهداءنا الأحرار الأبرار، ومتمنين لشبابنا المرابط في الخطوط الأمامية تمام الظفر والنصر.
بين هذا وذاك، هل يملك المرء إلا أن يفتخر بكونه إماراتياً ينتمي إلى دولة عينها على العلم والمعرفة والتقدم والمريخ، وعينها على إنسانها ونهضتها ومستقبلها، وعينها على أمن واستقرار العرب في كل مكان، وعينها على اليمن؟
إلى الأمام دائماً يا بلادي، وأعلى وأعلى رفرفي في السموات والقلوب يا راية الإمارات العالية.
نقلا عن صحيفة الخليج