التسريبات القطرية للمطالب التي تقدمت بها الدول الخليجية ومصر إلى قطر بوساطة الكويت؛ فُهِم منها أن الدوحة ما زالت تنظر باستخفاف للمقاطعة الخليجية ولا تريد التعاطي معها بجدية لإنهاء الأزمة الحالية. حتى الآن لم تستوعب الدوحة المتغيرات على الساحة شرق الأوسطية والتصميم الدولي على محاربة الإرهاب ومموّليه ومحتضنيه وما زالت تراهن على أنها قادرة على كسر المقاطعة بالتوجّه نحو تركيا وإيران.
الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه دول الخليج وإيران والإرهاب انقلبت رأساً على عقب ولم تعد تلك الاستراتيجية التي تحابي بعض الدول والأحزاب من التيارات الإسلامية مقابل قيامها بالواجب وهو حماية المصالح الأمريكية وأمن «إسرائيل». فالإستراتيجية التي وضعت في عهد الرئيس بوش الابن وروّجت لها كونداليزا رايس تحت مسمى «الديمقراطية» تارة و«الفوضى الخلاقة» تارة أخرى وكانت نتيجتها انبعاث ما سمي «الربيع العربي» المدمر الذي تبنته إدارة باراك أوباما، وأطلقت يد جماعة الإخوان المسلمين وأخواتها بهدف قلب الأنظمة. لكن مع رحيل أوباما ومجيء الملك سلمان عاهل السعودية، فإن مجمل التطورات في المنطقة وخصوصاً في اليمن بدت أطماع إيران تتضح وكان تشكيل التحالف العربي بقيادة المملكة السعودية والإمارات لمواجهة أطماع إيران ولحماية أمن دول الخليج.
ظهور الرئيس السيسي والأمير محمد بن سلمان كانا مؤشرين على بداية مرحلة جديدة أي انكسار المشروع الأمريكي لدعم الإخوان. هذه الأحداث لم تغير من السياسة القطرية التي ظلت تمارس ما طلب منها في عهد الإدارات الأمريكية السابقة من حيث دعم الجماعات الإرهابية التي تمددت نحو أوروبا ودول الخليج ومصر والأردن وتونس وليبيا وباتت مصدر قلق دولي، حتى إن مصر التي كانت في عين الإرهاب أخذت تعد ملفاً لعرضه في مجلس الأمن عن التدخلات القطرية التركية في شؤونها من حيث دعم الإرهاب، وهو ملف موثق بالأدلة والتسجيلات الصوتية والأرقام البنكية عن تمويل قطر للإرهاب في مصر وتدريب الإرهابيين في جنوب تركيا وليبيا وإرسالهم إلى مصر.
الرئيس ترامب في قمة الرياض حسم الأمر وانتهج سياسة جديدة شملت الإخوان المسلمين أيضاً والجماعات المنبثقة عنها، وهذا لم تستوعبه الدوحة ولم تفهم أن دورها انتهى وعليها التصرف وفقاً للقانون الدولي ونبذ الإرهاب والجماعات الإرهابية التي استوطنت الدوحة. وبالطبع كان لدى دول الخليج الكثير مما تقوله عن التدخلات القطرية في شؤونها الداخلية ما دفعها إلى اتخاذ المواقف الأخيرة ومقاطعة قطر إن لم تكف عن سياستها الساعية إلى بث الفتن والفرقة بين هذه الدول. الآن لا يبدو أن قطر مستعدة لتلبية المطالب المشروعة لدول الخليج ومصر واحترام سيادة الدول الشقيقة وما زالت تعاند لاعتقادها أنه بالإمكان الجمع بين الضدين، أي إيران وتركيا معاً في مواجهتها مع الجارات العربيات، وهذا وهمٌ؛ لأن واشنطن غيرت استراتيجيتها من تجاهل دول الخليج وتبنّي جماعة الإخوان إلى التحالف معها ومحاولة العودة بقوة لممارسة دورها في المنطقة بعد الاضطراب الذي ساد في عهد أوباما.
إن الدول التي قاطعت قطر لا تخسر من المقاطعة بل الخاسر هي قطر. وهي أي الدول الأربع لا ترمي إلى قلب نظام الحكم في الدوحة بل إلى كفّ الأذى عن قطر ودول الخليج عامة.
نقلا عن صحيفة الخليج