الأزمة السياسية، التي نشأت بين قيادة دولة قطر وجيرانها من دول الخليج والعرب، يمكن أن تحل خلال شهر، وربما تمتد إلى أشهر، وقد تنتهي بقطيعة بينها وبين جيرانها، كما قد تحذو دول أخرى وتتخذ الخطوات نفسها، التي اتخذتها دول الخليج. الأسبوع الماضي سلمت «الدول المقاطعة» قائمة المطالب الموجهة إلى قطر، عبر الوسيط الكويتي، إذ تتولى هذه المهمة شخصية لها مكانتها على مستوى الخليج والعالم العربي؛ أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد، إذ تضمنت المطالب 13 بنداً، وهي شروط لعودة العلاقات الدبلوماسية. وما جاء في قائمة «المطالب الخليجية» يستطيع أي مراقب سياسي واقتصادي أن يقومها، وهل هي مطالب ضرورية لتحقيق حق الجوار أم أنها غير ذلك؟
وتستهدف المطالب المقدمة إلى الدوحة تحقيق استقرار دول المنطقة وتماسكها ووحدتها، والوقوف بحزم تجاه التدخلات الأجنبية، إلى جانب وقف دعم الجماعات الإرهابية والمشبوهة، التي تستهدف زعزعة أمن واستقرار المنطقة. أليس من حق الدول المجاورة أن تعيش في أمن من دون أي خداع أو مكر أو منغصات، وألا يسلط أعوانه، سواء من الداخل أم من يقيمون في دول أخرى، ليقلق مضاجع جيرانه. وقد يتساءل بعضهم: هل بعد كل هذه السنوات من الجيرة – ودولة قطر إحدى مؤسسي كيان دول مجلس التعاون الخليجي – أن تحتاج إلى قواعد عسكرية لحمايتها؟
قطر لا تجاور إسرائيل، ولا حتى كوريا الشمالية، كي تخشى من طيشهما السياسي أو هجوم مباغت بأسلحة نووية، فهي جزء لا يتجزأ من دول الخليج، الذي ترتبط معه في اللغة والعادات والتقاليد والدين، وقبل كل هذا وذاك الترابط الأسري والاجتماعي، الذي يجمع بين دول الخليج، فلماذا تصر قيادة قطر على إيجاد قاعدة عسكرية تركية في أراضيها، إلا إذا كان المقصود استفزاز دول الجوار، وممارسة الأنانية السياسية، وهي البحث عن المصلحة الشخصية وليس بالضرورة أن توافق مصلحة الآخرين؟
«قائمة الطلبات» تضمنت قطع علاقات قطر مع جميع التنظيمات الإرهابية والطائفية والآيديولوجية، فمن غير المعقول ألا تعرف الدبلوماسية القطرية أن إيواء الأشخاص المطلوبين دولياً، والجماعات التي تم حظرها عالمياً، والتي تحول حولها شبهات في تمويل ودعم الإرهاب، جريمة دولية، إذ إن القيادة القطرية تقدم لها السرير الفخم والمريح، وتؤويهم في منازل فخمة، ألا يدعو هذا إلى الاستغراب والحيرة؟ وعلى رغم مناشدة دول الجوار منذ سنوات أن تتخلى قطر عن هؤلاء، إلا أنها تصر وترى أن الأمر تدخل في سيادتها، هي تسمح لهذه المنظمات والشخصيات المشبوهة بأن تتدخل وتخطط لأعمال إرهابية في دول الجوار، وتدعمها بالمال والسلاح وكل الخدمات اللوجستية، ولا تريد من جيرانها أن يشتكوا منها!
منذ إنشاء قناة الجزيرة – وهي أول قناة إخبارية عربية – كانت القيادة القطرية تحاول أن تظهرها بمظهر القناة المستقلة، وليس للحكومة القطرية أي دور فيها أو في خطها الإعلامي، وعلى رغم فرحة المشاهد العربي حينها بظهور قناة إخبارية جديدة في وجه القنوات الإخبارية الأجنبية، مثل BBC وCNN، وأنه سيحظى ببرامج تناقش همومه وتعالج مشكلاته، إلا أنها أخذت خط الصحافة الصفراء، وحولت برامجها إلى تأجيج، مع تمرير معلومات خاطئة إلى المجتمعات الخليجية وبعض الدول العربية على أنها من السبق الصحافي، وعلى رغم أن المهتمين بالإعلام اكتشفوا أن ما تقدمه القناة ليس عملاً مهنياً في الإعلام، فمن الواضح أنها كانت تنفذ أجندة. دول الجوار وبعض البلدان العربية أغلقت مكاتب هذه القناة وطردت مراسليها مرات عدة، ووجهت شكاوى عن عدم ممارسة الإعلام بمهنية، إلا أن القيادة القطرية كانت ترد في كل مرة أن الإعلام لديها حر، وهي لن تتدخل. أليست الحرية لها ضوابط وعرف مهني؟
في معظم البلدان المتحررة، والتي تتحدث عن حرية الإعلام، لديها ضوابط وخطوط حمراء، إلا أن القيادة القطرية كانت ترى أن قناة الجزيرة شاطئها الذي تطل منه إلى العالم، ولكن بوجه مغاير وبأسلوب الثعلب المفترس الماكر، ليس هذا فحسب، بل دعمت مشاريع إعلامية في الخارج لأجل أن تعزز موقفها السياسي وتمرر منها رسائلها التي تريد أن توصلها، لا أحد يطالب بإغلاق القناة، إنما وعد بتغيير سياستها وخطتها الإعلامية وممارسة المهنة بأصولها المعروفة.
هل أخطأت دول الجوار حينما طالبت قيادة قطر بأن تكون دولة منسجمة مع محيطها الخليجي والعربي على جميع الأصعدة، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وأمنياً، بما يضمن الأمن القومي؟
المطالب التي صاغتها دول الجوار وأرسلتها عبر الوسيط الكويتي لأجل عودة العلاقات الدبلوماسية، هي مطالب مشروعة وليس فيها أي تدخل في سيادتها، فدول الجوار هذه المرة لديها من الأدلة والوثائق، التي تدين قيادة قطر وتورطها في كثير من الأعمال التي أضرت بدول الخليج والعالم العربي، وفي حال لم تستجب أو لم تتلق أية رغبة في حل هذا الخلاف، فليس من المستبعد أن يطول أمد الخلاف، وقد تلجأ الدول المتضررة إلى تصعيد الخلاف إلى المنظمات والمحاكم الدولية، وهذه المنظمات لديها من الخبرة والتجربة في التثبت من هذه الشكاوى، فهي لا ترضخ لضغوط مالية أو وساطات، ولا أستبعد أن تلجأ هذه المنظمات والمحاكم إلى وضع القيادة القطرية قيد المحاكمة والملاحقة القانونية؛ بتهمة دعم وتمويل الإرهاب، والشواهد كثيرة، سواء ما حدث مع الرئيس البنمي والصربي سلوبودان ميلوسوفيتش. اللاعب المتوقع، الذي سيلعب دوراً مهماً في المرحلة لإخراج قطر من أزمتها الحالية مع دول الجوار، هو الدبلوماسية القطرية، فهي حتى الآن تردد كلمة حصار على المقاطعة، ولا أعرف كيف يروج سفير معلومة خاطئة، وكل الناس تعلم أنه ليس حصاراً؟ فأجواؤها الجوية والمائية مفتوحة، وتستطيع أن تحلق طائراتها وتبحر سفنها في كل اتجاه من العالم سوى في الأجواء والمياه الإقليمية لثلاث دول تقاطعها، وعليها ألا تنشر معلومات لا تخدم القضية، فالجار البعيد مثل تركيا وإيران لن يحمياها، فسمك القرش يجهز فريسته ويبتعد عنه لحظات، إلا أنه سرعان ما يلتهمها. موافقة قيادة قطر على المطالب، التي قدمتها الدول المتضررة، ستعيد الاستقرار إلى البلدان العربية، وستراعي حقوق الجار والعادات والتقاليد، فأمن الوطن والمساس بشعبه أشبه بـ«أم» تقاتل لتوفر الحماية لأبنائها، ولأجلهم قد تلجأ إلى كل وسائل الدفاع والهجوم.
نقلا عن صحيفة الحياة