تعد بغداد من أكثر عواصم ومدن العالم عرضة للإحتلال والسقوط بيد المحتلين والغزاة، وسبب ذلك يعود لأمرين وهما؛ الموقع الجغرافي وكثرة الموارد الطبيعية والأمر الآخر هو سفاهة وتفاهة من تسلطوا وحكموا بغداد والعراق بصورة عامة، فما يجري اليوم من أحداث ووقائع تشبه لحد كبير الأحداث والوقائع التي عصفت بالعراق سابقاً في كل فترة سبقت سقوط بغداد، حيث تجد الحاكم أو السلطان أو الرئيس أو الخليفة لا يملك من الحكمة والتدبير شيئاً ومنشغلاً بملذات الدنيا ومغرياتها غير مهتم بحال الدولة والشعب والرعية الأمر الذي يؤدي إلى تفكك الدولة وضعفها من كل الجهات والإتجاهات وهذا ما يُطمع الغزاة والمحتلين بها الأمر إلى يؤدي إلى سهولة سقوط الدولة.
ومن يقول أن سبب كثرة سقوط بغداد وإحتلالها هو بسبب الخيانات التي تحصل، نرد عليه بالقول إن سبب تلك الخيانات – إن كانت حقيقية – فهي ترجع إلى الحاكم نفسه فلو لم يكن سفيهاً لما وجدت الخيانة ولما كان هناك من يخون, لو كان يحكم بالعدل والإنصاف لما وجد هذا الخائن أو ذاك لكن سفاهة الحاكم وانشغاله بالمجون وقلة بل وإنعدام الخبرة والحكمة لديه أوجد الخونة والطامعين وغيرهم، فكل الأمور مرجعها الحاكم نفسه وليس غيره فكل عوامل السقوط ترجع إلى الحكام, ولنا في أول سقوط لبغداد على يد المغول خير شاهد, حيث يقول الذهبي في كتابه « تاريخ الإسلام » ج 48 ص 33 -35 (كائنة بغداد …. وكان المستنصر باللَّه قد استكثر مِن الْجُنْد حتَّى بلغ عدد عساكره مئة ألف فيما بَلَغَنَا، وكان مع ذلك يُصانعُ التّتارَ ويُهاديهم ويُرْضيهم, فلمّا استخلف المستعصم كان خليًّا مِن الرّأي والتّدبير، فأُشير عليه بقطع أكثر الْجُنْد، وأنّ مصانعةَ التّتار وإكرامَهم يحصل بها المقصود، ففعل ذلك)…
طبعاً توجد هناك أسباب أخرى جعلت المغول يغزون بغداد لكن سبب سقوطها هو كما أوضح الذهبي هو سفاهة الخليفة « كان خلياً من الرأي والتدبير » حتى أنه أخذ بنصيحة من أشار عليه بقطع أي بتقليل عدد الجند خصوصاً وإنه يعلم بأن المغول قد غزوا أكثر البلاد الإسلامية ومع ذلك قلل عدد الجند وقلصهم من 100 ألف إلى 10 آلاف جندي أو أقل، هذا مع إنشغاله بالخمر والمجون والليالي الحمراء حتى قيل إنه لم يعلم بقرب المغول من بغداد وقربهم منها إلا عندما أصاب سهم مغولي إحدى الجواري التي كان يراقصها, ومع ذلك كله يأتي عرابي الطائفية من أتباع الخط التيمي ويقولون أن ابن العلقمي هو من خان الخليفة وكان سبباً في سقوط بغداد !! حتى لو سلمنا – جدلاً – بصحة خيانة ابن العلقمي فسبب الخيانة إن صحت هو الخليفة نفسه لأنه سفيها ولا يملك من الرأي والتدبير شيئاً.
ورحم الله ذلك المحقق الإسلامي الكبير عندما قال معلقاً على هذا المورد من كتاب الذهبي ( أفليس هذا مِن أوضح وأجلى معاني السفاهة؟! فكيف سلّموا أمور المسلمين ومقدراتهم وتاريخهم ومستقبلهم بيد سفيه؟! وإذا كان سفيها فكيف رضي أئمة التيمية بتسلّم السفيه السلطة والخلافة والإمامة؟! يحتمل أنَّ الذهبي كان ملتفتًا إِلى معنى وحقيقة وتجسّد السفاهة، ولهذا لم يُشر هنا إِلى أكذوبة أنَّ ابن العلقمي قد أشار إِليه بقطع أكثر الجند وتسريحهم، لأنَّ هذا يُثبتُ قمَّة السفاهة وأفحشها، حيث يأخذ بنصيحة عميل خائن رافضي جَلْد خبيث!! ويؤيد هذا ويؤكدُهُ أنَّ الذهبي في هذا المقام قلَّل مِن دور عمالة وخيانة ابن العلقمي في سقوط بغداد وخيانتها، فلم يُحمّلُهُ كلَّ ما حصل، ولا الدور الرئيس فيما حصل.)…
وهنا نعود لأصل الموضوع وهو عن كل سقوط لبغداد يعود سببه للحكام أنفسهم فكلما سقطت بغداد بيد إحتلال وغزاة سواء كان الإحتلال صريح أو مبطن تحت حجج كمحاربة الإرهاب وغيرها فهو يعود لسفاهة الحكام وخلوهم من الرأي والحكمة والكفائة وإنشغالهم بالفساد بكل أنواعه.