اجتمع الحقد بالثأر، واشتعلت النار داخل بيت الحكم في الدوحة، مزق حمد بن جاسم كل أواصر القربى بين الأب وابنه، وبين الأخ وأخيه، وبين الزوجة ومن حولها، وشحنت القلوب بجرعات منتظمة من الوساوس، وتورمت النفوس، وانقسم الولاء، وخان من خان، وابتعد من خاف من بطش الطاغية الجديد، المتستر خلف عباءة ولي العهد، حتى سنحت الفرصة للنبت الشيطاني.
الأمير سيغادر في رحلته الصيفية المعتادة، وأجواء الدوحة يلفها ضباب كثيف، الشائعات على كل الألسن، تتحدث عن سفر من دون عودة، ولم يصدق خليفة الشائعات، ولم يستمع إلى رجاء أخيه محمد بن حمد بعدم السفر، كان الرجل يعتقد أنه يعرف ابنه جيداً، ولن يجرؤ على القيام بأي عمل، وهذا ما قاله لكل من نصحوه، ولكن الابن تغير، أصبح شخصاً غير الذي يعرفه، منذ أن تجمعت حوله الأفاعي، وطار الأمير.
سيطر حمد بن جاسم، وبرجال عبد الله بن خليفة، الموعود بولاية عهد أخيه حمد، كل الأعوان أصبحوا يتحركون نحو المواقع المهمة، والذين لم يوالوا حمد، ذهبوا إلى المعتقلات، ووردت اتصالات لشيوخ آل ثاني وكبار رجال القبائل والأعيان والوجهاء، للسلام على ولي العهد في ديوان الحاكم، وتوافد المئات من دون أن يجدوا سبباً لهذا الاستقبال، حتى شاهدوا صورهم على شاشة التليفزيون.
والمذيع يقول «إنهم توافدوا لمبايعة حمد بن خليفة أميراً للبلاد»، وضجت الدوحة وكل مدن وقرى قطر، فصدر بيان باسم الأسرة الحاكمة، كتبه وأذاعه حمد بن جاسم، باختيارها حمد بدلاً من أبيه، ولم يعترض أحد، بعد أن سمعوا التهديد والوعيد من مغتصب الحكم وأخيه وزير الداخلية، وقدم حمد بن جاسم حجة الأمير الجديد، مدعياً أن الأب سيعود من رحلته ومعه عبد العزيز المبعد لينصبه ولياً للعهد.
كانت تلك أولى خطوات حمد بن جاسم نحو السلطة، لم يكترث لأسرته، حمل معوله التآمري، وهدم بيته أولاً، ومن ثم، أمعن النظر بعيداً حتى يرى بيوت الآخرين، فما زال أمامه تراكمات يريد أن يصفيها، أحقاده أكبر من ذلك البيت، وأكثر اتساعاً من الدوحة وقطر كلها، وأصبح وزيراً للخارجية، والأخ الذي باع أباه من أجل ولاية العهد، أصبح رئيساً للوزراء.
وقيل له إنها مقدمة، وبعد بضعة أعوام، عين جاسم بن حمد ولياً لعهد أبيه، واستبعد عبد الله بن خليفة عن رئاسة الوزراء، واختفى عن الأنظار، وتربع «راسبوتين» على سدة المنصب الثاني في البلاد، أصبح رئيساً للوزراء.
وعندما حاول ولي العهد ممارسة بعض صلاحياته، اعتبر خارجاً على إجماع الأب والأم، وأجبر على قراءة بيان استقالته من المنصب، وهو البيان الذي كتبه حمد بن جاسم، وعيّن الأصغر منه مكانه، ومرة أخرى، يشق بيت الأمير الابن، وينفرد بن جاسم بإدارة الأمور، فقد دمرت وشائج القربى في قطر، وبدأت رحلة الدمار الكبرى.