لم يأت من فراغ ما أدلى به وزير خارجية تركيا مولود أوغلو للصحافيين لدى زيارته الكويت يوم الخميس الماضي، عندما شدد على دول الخليج، ضرورة إيجاد حل لأزمة قطع العلاقات مع قطر ضمن البيت الخليجي، حتى لا تصل القضية إلى مرحلة التدويل بتدخل دول أوروبية مع الولايات المتحدة ما يزيد المشهد تعقيداً.
فمع الدعم الدولي الكبير الذي لقيه تحرك صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد لاحتواء الأزمة ورأب الصدع الخليجي، تأتي التحركات الأخرى لتزيد المشهد تعقيداً، ولاسيما ما يصدر من تصريحات تجعل ما طرح من شروط للمصالحة بعيد المنال.
فأحد عناصر الأزمة الأساسية، مشكلة جماعة «الإخوان المسلمين»، التي تطلب دول الخليج الثلاث (السعودية والامارات والبحرين) ومصر، من قطر وقف دعمها وطرد أبرز قياداتها ورموزها من البلاد. وهذا الأمر يشكل معضلة حقيقية بالنظر إلى ردود الفعل الدولية تجاه القضية. فوزير الخارجية التركي قال في المؤتمر الصحافي آنف الذكر، إن جماعة «الإخوان» هي تجمع سياسي وليست حركة إرهابية، مدللا على ذلك بوجود هذا التجمع ضمن حكومات عربية وغير عربية، ممثلاً لذلك بوجود ممثلين لهم في حكومات تونس والمغرب، وحتى في الكويت، التي قال إنها أفضل مثال على وجود «الإخوان» في مواقع السلطة، وهو التصريح الذي نشرته الصحف المحلية في اعداد يوم الجمعة الماضي، مشدداً على أن من الخطأ وصف هذه الجماعة بالإرهابية.
وفي اليوم نفسه، جاءت إفادة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، في جلسة استماع للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، لتؤكد أن جماعة «الإخوان» لها امتدادها الاجتماعي والسياسي في عدد كبير من البلدان، حيث قال ان من «المعقّد وضع الجماعة على قائمة الإرهاب، في ظل أجنحتها المتعددة التي باتت ضمن حكومات بعض الدول، وتضم ملايين الأعضاء». حتى انه ذكر أن عدد المنتسبين للجماعة يفوق خمسة ملايين شخص، ما يجعل من الصعب والخطأ والتعقيد وضع اسم الجماعة بكل منتسبيها على قائمة الإرهاب.
إذاً يبدو أن إشكالية هذا الملف لن تجد حلاً، مع إصرار القاهرة، على جعل ملف «الإخوان» في مقدم القضايا التي يجب على الدوحة أن تحقق المطالب فيها لتعود العلاقات الديبلوماسية وتنتهي الأزمة، ولاسيما أن مصر هي الدولة الوحيدة التي صنفت جماعة «الإخوان» كتنظيم إرهابي، يقابلها في الضفة الأخرى تأييد تركي كبير لهذا التنظيم الذي تراه – وفق تصريحات أوغلو السابقة – أنه تجمع سياسي له وجوده الذي لا ينكر.
ومع التحرك العالمي المؤيد لمبادرة صاحب السمو، والزيارات المتتالية التي تشهدها عواصم الخليج، بدءاً من الكويت، لمسؤولين عرب وأجانب بهدف تطويق الخلاف وحله ضمن إطاره العربي الخليجي، وتصريح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الداعم بقوة لجهود سمو الأمير، تتعلق الآمال في أن تجد تلك الجهود والدعم العالمي نتيجة بإنهاء الأزمة ورأب الصدع، وعودة البيت الخليجي إلى سابق عهده بيتاً موحداً قوياً صلباً، وإلا فإن الأمر سيكون مرشحا لمزيد من التعقيد، وقد تصل المسألة للتدويل وهو أمر لا يحبذه أحد من أبناء الخليج، وقادة الدول الحريصين كل الحرص على وحدة بلادهم وبقاء كيان مجلس التعاون الخليجي الذي يعتبر من أول وأكثر الكيانات الإقليمية نجاحا في العصر الحالي، وقد حقق إنجازات كبيرة في إطار الوحدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدوله وشعوبه، وهو الذي طرح مسألة انتقال المجلس من حال «التعاون» إلى «الوحدة».
فهل تستطيع دول الخليج، بحكمة قادتها، تجاوز هذا المطب وعودة المياه إلى مجاريها، وتفويت الفرصة على الباحثين عن تدويل القضية والاصطياد في مياه مشاكل الأسرة الخليجية الواحدة؟ هذا ما نرجوه ونتطلع إليه في الأيام القليلة المقبلة.