من أصول التعامل بين الدول التي تجمعها هيئات ومنظمات ذات طبيعة اتحادية، أن هذه الدول تنسّق في ما بينها وتسعى الى سياسات اقتصادية وخارجية ودفاعية تنشد المصلحة المشتركة لهذه الدول، وتحاول الابتعاد عمّا يسيء الى أي دولة أو دول أخرى عضو في تلك الهيئة او المنظمة.
من الأمثلة الأكثر وضوحاً على عملية التكامل تلك أمامنا اليوم الاتحاد الأوروبي، الذي يضم 28 دولة، قبل الانسحاب المنتظر لبريطانيا منه بعد عامين. يضم هذا الاتحاد دولاً كبيرة في حجم ألمانيا وفرنسا، ودولاً صغيرة في حجم مالطا او اللوكسمبورغ. ومع أن صغر الحجم لا يشكل عائقاً أمام الدور الذي تلعبه أي دولة في مسيرة الاتحاد، ولا على ترؤسها الاتحاد عندما يحل دورها لذلك، إلا أن الدول الصغيرة لا تعاني في الوقت ذاته من عقدة الحجم، ولا تتنطح بالتالي الى لعب دور، في مجال السياسة الخارجية أو الاقتصادية أو سواها، يفوق ما هو متاح لها، لمجرد محاولة إثبات الذات أو التأكيد على استقلالية القرار. هذه الدول تجد قوتها في الوحدة التي يوفرها الاتحاد الأوروبي، وليس في الرغبة في عرض العضلات أو فتح الباب أمام الصراعات، على رغم أن مجال عرض العضلات أو اختلاق الصراعات متاح لكل من يريد سلوك هذا الطريق، سواء كان دولة كبيرة او صغيرة.
مجلس التعاون الخليجي كان يفترض أن يكون مثالاً لمشروع الوحدة الممكنة بين دول المنطقة الخليجية، التي تجمع بينها ثقافة واحدة وتقاليد مشتركة، فضلاً طبعاً عن الدين الواحد. وفي الوقت الذي انهارت تجارب وحدوية أخرى في المنطقة العربية، في شرقها وغربها، ظل الرهان على مجلس التعاون كمؤسسة صالحة للتمثّل بتجربتها، وخصوصاً مع احتفاله هذا العام بعيد ميلاده السادس والثلاثين.
من هنا يبدو الدور الذي تلعبه دولة قطر داخل مجلس التعاون دوراً نافراً. قطر تعتبر أن من حقها في إطار ما تقول إنها «سيادتها» وحرية قرارها أن تتصرف كما تشاء في سياستها الخارجية وفي أدواتها الإعلامية. حتى عندما تؤدي هذه السياسات الى سبب للخلاف مع الدول الأخرى في مجلس التعاون، أو عندما تتحول، كما حصل في كثير من الأحيان، الى حملات على أنظمة هذه الدول وعلى قادتها والمسؤولين فيها. وما يثير غضب أشقاء قطر في مجلس التعاون أن هذه السياسات لا توفر خدمة ولا تؤمن مصلحة خاصة لقطر، باستثناء محاولة إثبات الوجود ولعب الدور، على قاعدة «خالف تعرف»، ولمجرد التأكيد أن قطر تستطيع أن تعاند او تناكف، حيث تكاد تبدو هذه المناكفة والعناد وكأنهما المبرر الوحيد لوجود قطر.
لذلك تتعدى مشكلة قطر مع الدول الخليجية الأخرى مسألة عدم تنسيق السياسات، مع أن التنسيق يفترض أن يكون أمراً طبيعياً في منظمة مثل مجلس التعاون الخليجي، تتعداها الى تحوّل هذه السياسات الى إلحاق الضرر بمصالح دول المجلس، كما بدا من خلال العلاقة مع إيران، التي تنتهج دول مجلس التعاون سياسة متشددة حيال تدخلها في الشؤون الداخلية لدول الخليج ولدول أخرى في المنطقة، أو من خلال الرعاية المالية والإعلامية لمنظمات تعتبر إرهابية وتلعب أدواراً تخريبية في عدد من الدول الخليجية والعربية… باستثناء دولة قطر.
اما في الشأن الإعلامي، فقد تحولت وسائل إعلام قطر، وعلى الأخص قناة «الجزيرة» بشقيها العربي والإنكليزي الى منابر لتسويق سياسة قطر. وكان يمكن أن يعتبر المرء انه ليس هناك ضير في ذلك، طالما أن هذا ما تفعله معظم وسائل الإعلام العربية والخليجية في تسويق سياسات دولها. غير أن وسائل إعلام قطر تمتدح نفسها بأن وظيفتها الإعلامية تقوم على المهنية والاستقلالية والحياد الكامل. ولا تتردد في أن تقارن أسلوب عملها بما تقوم به محطة إخبارية مثل «بي بي سي» البريطانية مثلاً. لكن يتضح الخداع في ادعاءات كهذه، عندما يكتشف المشاهد أن فضاء «الجزيرة» مفتوح لكل الأخبار والحملات ولتغطية كل ما يجري في الخليج والمنطقة العربية، باستثناء ما يجري في قطر، وكأن هذه الدولة غير موجودة على خريطة التغطية «الجزيرية».
تستطيع قطر طبعاً أن تدافع عن حقها في السيادة وفي استقلال قراراتها. لكن هذا الحق لا يتفق مع التزاماتها كعضو في مجلس التعاون الخليجي، وخصوصاً عندما تصير هذه العضوية عبئاً على مجلس التعاون وليس سنداً له.
نقلا عن صحيفة الحياة