الأصل في علاقات الدول هو سلامة النوايا، ولا يمكن الحكم على سلامة النوايا بالبيانات الفضفاضة التي تصدر عادة بعد زيارات واجتماعات، ما أكثرها بين الدول العربية والخليجية، ولا بحرارة التحية والسلام عند لقاءات قادتها، لا يحكم هذه النوايا إلا الاتفاقات والالتزامات التي توقع بينها، فالالتزام بها يعني سلامة النوايا أما عدى ذلك فهو لا شك ثغرة خطرة للتوجس والحذر والقلق ومثله إرجاء تنفيذ الاتفاقات شراء للوقت، والأزمة المتصاعدة بين السعودية والإمارات ومصر والبحرين مع قطر تتمحور حول صفاء النوايا، فالأفعال طوال عقود لا تدفع إلا إلى الريبة والتحسس، وهي مسجلة وموثقة، وكون البعض لا يتذكرها أو لا يريد فهذه مشكلته، ولكل فعل هدف يتحرى نتيجة مؤكداً أن فيها ضرر بالأمن الوطني للدول الأربع، وكانت ردود الفعل السابقة من الدول المعنية على أفعال السياسة القطرية خلال مدة طويلة أقل من أن تغير دفتها، بل إنها في ما يظهر لي جعلت السياسة القطرية تتوغل أكثر في سياسة التضاد هذه، حتى تراكمت الفواتير. ولم تحقق وساطة أمير الكويت الأخيرة نتيجة إيجابية ولم يكن متوقعاً لها ذلك، فمن يستطيع الحكم على سلامة النوايا وأسباب عدم صفائها ونقائها قائمة.
بعد قطع العلاقات وإغلاق الحدود أصدرت الدول الأربع بياناً يصنف أشخاصاً من جنسيات مختلفة قطرية وأردنية ومصرية وليبية ويمنية في قائمة الإرهاب، وضم إلى ذلك كيانات قطرية وغير قطرية مختلفة.
وهذه هي الخطوة الثانية بعد قطع العلاقات وإغلاق الحدود، والسياسة القطرية الآن تقف أمام خيارين لا ثالث لهما، إما اختيار هذه الكيانات والتحالفات مع جماعات مختلفة صنف بعضها على قائمة الإرهاب من دول خليجية قبل سنوات، أو أن تنحاز لعلاقتها بأشقائها الخليجيين والعرب، ويبدو أن التنظيم السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، وهو أكبر التنظيمات المدعومة من الدوحة، في وضع صعب أكثر من ذي قبل، فهو أصبح حملاً ثقيلاً على قطر وعلى سياستها، والتنظيم للأسف لم يستفد من كل أخطائه السابقة، ولم يتعاطَ بشكل سياسي رشيد معها ولا يتوقع منه ذلك في المستقبل القريب، وهو ما جعل حمله يزداد ثقلاً.
وما أكثر ما تتقلب الجماعات والكيانات السياسية اللاجئة وتتغير، والتاريخ شاهد وفيه من العبر الكثير.
نقلا عن صخيفة الحياة