لا أعتقد أن أحداً من كبار المسؤولين أو من المتابعين لشؤون المنطقة عن قرب ومعرفة، قد فاجأته التصريحات المنسوبة لأمير دولة قطر الشقيقة.. لا من حيث المحتوى، ولا من حيث التوقيت.
من حيث المحتوى، فإن ما نسب لأمير دولة قطر من تصريحات، هو ترجمة دقيقة للسياسات التي تطبقها حكومة قطر، التي كلفت الأمة العربية كلها أثماناً فادحة، دفعتها، ولا تزال تسدد فواتيرها حتى الآن.
ولا صحة للقول بأن هذه السياسات كانت تبحث عن دور أكبر لدولة قطر في شؤون المنطقة، فلا أحد يكره أن يكون لدولة عربية دورها في شؤون المنطقة، وإنما المشكلة الحقيقية، هي أن يكون مجرد أداة للآخرين، لكي يحققوا على الأرض العربية مخططاتهم التي تعادي كل ما هو عربي.
التصريحات المنسوبة لأمير قطر، هي ترجمة حقيقية لعشرين سنة من السياسات التي تم تنفيذها.
تشير التصريحات المنسوبة لأمير قطر، إلى تحالف ثلاثي، يضم، رغم كل التباينات الظاهرية في المواقف، كلاً من إيران وإسرائيل وجماعة الإخوان، ومن يلحق بها من جماعات الإرهاب التي تتاجر بالدين وتبيع الأوطان بلا ثمن.
هكذا كان الأمر طوال عشرين عاماً، كانت حصيلتها ما نراه في الواقع المرير الذي تعانيه الأمة، والتحديات الهائلة التي تواجهها، فقط عليك أن تتذكر أن الحرس الثوري الإيراني لم يقترب من إسرائيل يوماً، بل عاث في الأرض العربية فساداً وإفساداً، وأن الإخوان ومن خرج من عباءتهم من جماعات الإرهاب، ظلوا على مدى عشرات السنين يعدوننا بأنهم (شهداء بالملايين.. على القدس رايحين) ثم.. لم نرهم إلا متآمرين على الأمة العربية أساساً، ولم نرَ رصاصاتهم تنطلق نحو القدس، بل في عواصم تتعرض للدمار، أو في سيناء على حدود العدو الصهيوني، يرتكبون أبشع الجرائم ضد جنود مصر الذين قدموا، على مدى السنين، أعظم التضحيات دفاعاً عن العروبة والإسلام.
ولنتذكر، أنه قبل أحداث سبتمبر، كان علينا أن نرى في «الجزيرة» محاولة «تلميع» بن لادن والقاعدة، ثم كان علينا مع الهجوم الأميركي على أفغانستان، أن نرى الأمر على أنه مواجهة في «حرب صليبية»، كما وصفها الرئيس الأميركي بوش الابن، وأن نرى التعبير عن ذلك على شاشات «الجزيرة»، وهي تصور الأمر على أنه مواجهة بين التحضر الأميركي، ممثلاً في «بوش»، وبين همجية المسلمين ممثلة في «بن لادن»!
ولنتذكر، كيف تم التمهيد الإعلامي في «الجزيرة» لغزو العراق وتدميرها، انطلاقاً من قاعدة «العديد»، وبالتعاون الكامل بين واشنطن وطهران، وبالتأييد والمباركة من إسرائيل، وكيف تم إجهاض كل وسائل تفادي الكارثة، بما فيها الاقتراح الذي قدمه حكيم العرب الشيخ زايد، رحمه الله، للقمة العربية المنعقدة يومها، لترحيل صدام وعائلته بعد تخليه عن الحكم، وهو الاقتراح الذي تم حجبه عن القمة، وكان كفيلاً بإنقاذ الموقف.
ولنتذكر، كيف تم التمهيد لوضع مخططات «الفوضى الخلاقة» على أرض الواقع العربي، والدور الذي تحيطه كل الشبهات في تلميع القذافي ثم بشار على «الجزيرة» والإعلام القطري، تمهيداً لكي يسير الأمر في كل من ليبيا وسوريا على غرار العراق، على طريق الكارثة، مع انهيار الدولة وإغراقها في الحروب الأهلية؟!
كيف كان احتضان «الإخوان» وتوابعهم من جماعات الإرهاب التي خرجت من عباءتهم، انطلاقاً من القاعدة وحتى الداوعش، وفي نفس الوقت، احتضان جماعات الإرهاب الخارجة من معطف الحرس الثوري الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن، لتكون الحروب الطائفية هي الوسيلة الأخرى لتدمير الدول العربية، إذا لم تنجح الوسيلة الأولى، وهي اختراق الدول وإسقاطها تحت حكم هذه التيارات، كما حدث بعد الربيع العربي، الذي استولت عليه هذه الجماعات.
وكان من الممكن أن تمتد آثار الكارثة بعد ذلك، إلى ما لا يمكن حسابه، لولا انتفاضة مصر في 30 يونيو، وإسقاط حكم الإخوان، الذين ما زالوا رغم تآمرهم الذي لم ينقطع على دول الخليج العربي وقتالهم ضد الدولة في مصر، هم من يحكمون «الجزيرة»، وتلتقي عندهم مصالح إيران وإسرائيل معاً، ليجد الجميع التعبير الكامل عنهم في الدوحة، التي يعلن أميرها اعتزازه بهؤلاء، ثم يطلب من الأشقاء في الخليج العربي والدول العربية، أن تقر بعبقرية هذا الطريق، ويطلب من أميركا أن تستمر في حمايته.
ثم يبقى السؤال: لماذا الآن؟
والإجابة لا تحتاج إلا لنظرة واحدة إلى ما أصبح واضحاً من إفلاس هذا المخطط الذي كانت سياسة الدوحة إحدى أدواته، سواء بالدعم المالي أو الإعلامي، أو بتوفير الملاذات الآمنة للإرهابيين.
في قمة الرياض، كان مطلوباً من إيران أن تمتنع عن التدخل في شؤون المنطقة العربية، وكان مطلوباً من إسرائيل أن تدرك أن حقوق الفلسطينيين هي طريق السلام، وكان على أميركا أن تستمع جيداً لفكرة أن الإرهاب واحد، وأن الإخوان هم أصل هذا الإرهاب ومنبعه، وهو ما عبرت عنه كل من مصر والإمارات بكل وضوح.
ولم يكن أمام الدوحة إلا أن تعلن ما هو معروف عن تبنيها لتحالف الشر، وعن محاولتها الجديدة لخلط الأوراق، لكن المشكلة الآن، أن اللعبة مكشوفة، والطريق مسدود.. فهل يعقلون؟!
نقلا عن صحيفة البيان الإماراتية