من أكثر ما يلفت النظر في سلوك مختلف الجماعات المنحرفة كداعش والقاعدة وما شاكلهما، اندفاعهم صوب الجنس في صورته المادية البحتة، فالسبايا غاية رئيسة في مختلف عملياتهم القتالية، ينتظرون بلوغها بشوق كبير، والجنّة في نظرهم قد اختزلت في خاصية واحدة من خصائصها المتنوّعة، وهي خاصية الحور العين فقط، لنجد أن أغلب مَن ينتحرون بتفجير أنفسهم ظلمًا وعدوانًا، يُمنّون أنفسهم بالارتماء في أحضان الحور العين فور انتهاء عملياتهم الإجرامية.
لعلّ ذلك من أهم الإشكالات التي يجب أن يتنبه لها العلماء والخطباء والدعاة حين تقريرهم في دروسهم وخطبهم لأوصاف الجنّة ونعيمها، إذ إن كثيرًا من أتباع القاعدة وداعش وما شاكلهما قد فهموا الأمر بشكل منقوص، خاصة حين يقرأون قصيدة لعلم من أعلام الأمة وهو «ابن القيم» في أوصاف الجنّة التي قال في مطلعها:
يا خاطب الحور الحسان وطالبا لوصالهن بجنة الحيوان
أسرع وحث السير جهدك إنما مسراك هذا ساعة لزمان
ويتناسون باقي ما جاء في قصيدته من أوصاف وصور، تُبهج الخاطر، وتسرُّ الناظر، وتُريح كل مؤمن متقٍّ لله جل وعلا، حيث يقول بعد ذلك:
هي جنة طابت وطاب نعيمها فنعيمها باق وليس بفان
وبناؤها اللبنات من ذهب وأخرى فضة نوعان مختلفان
سكانها أهل القيام مع الصيام وطيب الكلمات والإحسان
العجيب أن أولئك المنحرفين الضالين في سلوكهم وأفعالهم، لم يُدركوا أن الجنة ونعيمها قد وعدها الله للمتقين والأبرار مصداقًا لقوله تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُون).. وقوله تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ* فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ* كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ* يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آَمِنِينَ* لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاّ الْمَوْتَةَ الأولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ* فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).. وقوله تعالى: (إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ* عَلَى الأرَائِك يَنْظُرُونَ* تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ* يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ* خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ* وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ* عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ).
السؤال: هل يعلم أولئك الضالّون معنى أن يكون المرء من المتّقين، ودلالة أن يكون من الأبرار؟ في يقيني أنهم لو عرفوا لتغيّر حالهم من الفزع لما يقومون به من أفعال، لا تمتُّ بأيِّ صِلَةٍ إلى مفهوم التقوى والبر.
نقلا عن صحيفة المدينة السعودية