اخترنا لكنون والقلم

قطر وأمن دول الخليج 

في الوقت الذي اختارت فيه الكثير من دول العالم استثمار التحولات الدولية التي حدثت منذ بداية التسعينات من القرن الماضي، على مستوى تعزيز خيار التكتّل، وبناء نظم ديمقراطية تدعم التداول السلمي للسلطة، وتحقيق التنمية والرّفاه للمواطن، كانت المنطقة العربية الأكثر تضييعاً للفرص التي أتاحتها هذه المتغيرات، وهو ما تعكسه الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي عمّت المنطقة، علاوة على الصراعات والنزاعات الداخلية على السلطة، التي اتخذت طابعاً دموياً في الكثير من الأحيان (حالات الصومال والجزائر والسودان والعراق وسوريا واليمن وليبيا..).
وقد زاد من تعميق الوضع، تمدّد الإرهاب في عدد من دول المنطقة، واستهدافه لمصالح مختلفة في الداخل والخارج، ما جرّ على الكثير من الأقطار العربية ويلات كلفت شعوبها الكثير من المعاناة والخسائر.
ورغم ذلك، لم تستوعب الكثير من النظم العربية بعد حجم الأخطار والتحديات التي تتربص بالمنطقة.
تزايدت التحديات الأمنية التي تحيط بالمنطقة في مختلف أبعادها، وهي التهديدات التي تواجه الدول العربية دون استثناء، ورغم التجربة المتميزة التي راكمتها دول الخليج على مستوى التكتل والتنسيق والتطور الاقتصادي.. ومواجهة تحديات أمنية مشتركة للدول الأعضاء، باعتبارها التجربة العربية الوحيدة التي تشكل نقطة ضوء ضمن التنظيمات والتكتلات الفرعية في المنطقة.. فإن هذه الأخيرة أضحت معنية بدورها بهذه التهديدات التي تفرض اليقظة والتكتل في المواقف والسياسات، وبخاصة إذا استحضرنا الأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة على المستوى الجغرافي كملتقى للقارات، وعلى مستوى الإمكانات النفطية..
في شهر مارس/‏ آذار من عام 2014 قامت السعودية والإمارات والبحرين بسحب سفرائها من العاصمة القطرية، وقد تم تبرير القرار الذي حمله بيان صادر عن الدول الثلاث بكونه ينسجم ومبادئ الشريعة الإسلامية في ارتباط ذلك بالتعاون، والتزاماً بالنظام الأساسي للمجلس الذي يؤكد المصير المشترك ووحدة الأهداف التي تجمع بين شعوب المنطقة، وعلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر، و«عدم دعم كل من يعمل على تهديد أمن واستقرار دول المجلس من منظمات أو أفراد سواء عن طريق العمل الأمني المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسي، وعدم دعم الإعلام المعادي».
وهي الخطوة التي سبقتها اتهامات مختلفة لقطر بدعم الإرهابيين في سوريا ولجماعة «الإخوان» المسلمين، وتوجهات قناة «الجزيرة» الداعمة ل»لإخوان» ولمواقفهم.. وتزايد التصريحات المسيئة لبعض دول الخليج العربية، والصادرة عن بعض الشخصيات القطرية أو المقيمة في الدوحة.. وهو ما شكل لحظة صعبة في تاريخ مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتشويشاً على مساره كأحد أهم التكتلات الواعدة على مستوى التعاون والتنسيق الاقتصادي والتجاري.
وبفضل بعض المبادرات الودّية وحرصاً من دول المجلس على المصالح الاستراتيجية للمنطقة، تم تجاوز الخلاف بعد إطلاق مجموعة من الرسائل الواضحة لقطر للحد مما اعتبرته بعض الدول سياسات معادية ومسيئة لسيادتها.
وقد خلف نشر الموقع الإلكتروني لوكالة قطر للأنباء تصريحات لأمير البلاد أخيراً، استياء كبيراً داخل دول المنطقة، بعدما اعتبر الأمير في هذا التصريح ، أن قاعدة (العديد) هي حصن لقطر في مواجهة أطماع بعض الدول المجاورة، والفرصة الوحيدة للولايات المتحدة الأمريكية لامتلاك النفوذ العسكري بالمنطقة، وأكّد أن حماس هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، مع الإشارة إلى توفّق قطر في نسج علاقات قوية مع الولايات المتحدة وإيران، والتنويه بالثقل الإقليمي والإسلامي لإيران، ورفض التصعيد معها، باعتبارها قوة كبرى «تضمن الاستقرار في المنطقة عند التعاون معها».
إن صدى ذلك لم يتوقف، فقد أكد البعض أن هذه التصريحات ليست بالجديدة على قطر، فقد سبق وترجمتها سياساتها ومواقفها في العديد من المناسبات.. فيما اعتبرها البعض الآخر وبالنظر إلى التوقيت التي وردت فيه، تشويشاً على النتائج المهمة التي أفرزتها قمم الرياض الأخيرة لمحاصرة التطرف والإرهاب..
لا تخفى أهمية الجهود التي راكمتها دول مجلس التعاون الخليجي على مستوى بلورة سياسات متطورة في سبيل مواجهة الإشكالات الأمنية المشتركة في أبعادها الإقليمية والدولية، غير أن الأمر ما زال بحاجة إلى بذل المزيد من العمل وتوخّي الحذر، والانخراط الجدّي لجميع دول المجلس لكسب هذا الرهان.

drisslagrini@yahoo.fr

نقلا عن صحيفة الخليج

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى