نون والقلم

عطر : الأوطان تحتاج الإنتماء

الوطن ليس ذاكرة جينية في خارطة مشاعرنا، وليس نشيد ننشده في الصباح ونحن ننظر الى رايته الخفاقة، وليس بضعة أبيات يقولها شاعر فاضت عاطفته في محبرته، وليس شعارات يرددها الناس حين يجتمعون في احتفال أو مظاهرة، الوطن انتماء، أي شعور بالانتساب الفعلي والعميق للوطن، الذي  يترجم بالعمل وفق مصلحة هذا الإنتماء الذي يبدأ من داخل المواطن، مما يؤدي الى نمو شعور داخلي يربطه بوطنه، فيعمل بحماس وإخلاص للارتقاء به وللدفاع عنه. وأولى مظاهر الانتماء، أن يتفاخر الفرد بوطنه ويتغنى به وبمجده وبتاريخه ووطنية أبنائه ويدافع عن أمنه ويحمي سلمه، ولا يمكننا أن ننتمي الى المجهول، بل ان  الانتماء يكون لكيان الوطن ورموزه المؤسساتية من سلطات وجيش وادارات، وهذه المؤسسات نحن نؤسسها ونحن نضع قوانينها، نحن السلطة الفعلية التي تستمد كل سلطة شرعيتها منا، وأقصد فيها الشعب، هذا الشعب مسؤول، وتتلخص مسؤولياته في حماية هذه المؤسسات وشرعيتها والتعاون معها والشعور بالإنتماء لها، ومن الملاحظ ان العالم العربي اليوم يعاني من مشكلة كبيرة نلخصها بالإنتماء، فمعظم الشباب يتطلعون الى الهجرة ومغادرة أوطانهم والخروج من أحضان أوطانهم، والبحث عن انتماء آخر، وهذا ما يدفعهم للبحث عن وسائل كثيرة للخروج من أراضيهم، والهجرة أحيانا بطرق غير شرعية حين لا يتمكنون من ذلك بالطرق المشروعة، مما يعرضهم الى خطر الموت، الشباب يختارون هجرة الموت على العيش في مجتمع لا يحقق طموحاتهم ووطن لا يؤمن حاجاتهم، فيفقدون الإنتماء الكافي ويكفرون بذاكرتهم وتاريخهم، ويرمون كل ما بداخلهم من مشاعر تربطهم في المكان، مطاردين أحلامهم بالسفر.
ومن الملاحظ ازدياد الهجرة غير الشرعية في منطقة الشرق الأوسط بعد ما عُرف بالربيع العربي، الذي افرز تهجيرا وتدميرا، فتساوى في نظر البعض الموت بالحياة وقرروا المغامرة، وخير دليل ما حدث في شمال لبنان، حين ضاقت الحياة في عين رب أسرة تتألف من سبعة أطفال وزوجة، فقررالمغامرة للحصول جنسية أجنبية تحمي انسانيته، لذك لجأ الى الهجرة غير الشرعية نحو استراليا، ووقع في يد سماسرة الأحلام الذين باعوه الموت قبل الجنسية، وغرق بهم القارب، ولم ينج غير الوالد، والقصص المأساوية كثيرة في هذا الموضوع.من ناحية أخرى، نجد أن هناك خارطة لهجرة الموت، تتركز كما يأتي: حوض البحر المتوسط ما بين شمال أفريقيا ودول جنوب أوروبا، و الحدود المكسيكية مع الولايات المتحدة وبعض دول أمريكا اللاتينية، دول شرق آسيا؛ وخصوصاً ما بين أندونيسيا وأستراليا. هذا بالإضافة الى دول آسيوية وأفريقية مختلفة تتم من خلالها عملية تنظيم هجرات سرية منفردة، أو جماعية باتجاه بلدان الجذب الواقعة في الشمال: دول أوروبا أو أمريكا الشمالية، أو بعض دول الجذب في جنوب الكرة الأرضية كالبرازيل وأستراليا. خارطة الموت هذه  يقصدها من فقد انتمائه للوطن وشعر بالخيانة، لأنه لم يتمكن من تحقيق أحلامه به أو من لفظه الوطن غريبا على موانىء الصدف والقدر. لذا مما لا شك فيه نحن بحاجة الى تعزيز انتماء الشباب لأوطانهم والتأكيد لهم أن أي وطن بديل لن يجعلهم مواطنين من الدرجة الأولى بل، من الدرجة الثانية والثالثة، لذا على الحكومات أن تعزز الانتماء والتعلق  بالوطن من خلال  مناهج التربية، والعمل على تأمين سبل حياة كريمة وآمنة  لمواطنيها، فأدمغتهم وطاقاتهم حق مكتسب للوطن، اضافة الى التشديد على انه كلما ارتفع إنتماء الفرد وولائه لوطنه كلما تمسك بأرضه وتعلق بها ودافع عنها، حينها ينجو المواطن ويسلم الوطن.

نقلا عن صحيفة عُمان

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى