انطلاقاً من مشيئتي الحرة وتأكيداً لحبي لغتي العربية وشعوراً بمسؤوليتي التي اخترتها بكامل إرادتي تجاه مسألة الحرية عربياً أُعلن أني عربي.
ولأني أنتمي إلى العرب سواء كانوا أمة وأقواماً فإني رافض لواقع العرب، وناقد لكل أشكال تخلفهم ورافض لعالمهم السياسي المتأخر، ومتأفف من ذهنيتهم، ومستاء من طائفية تنمو في أحشائهم الآن، ولهذا كله فهم همي الأول.
لست متعصباً للعرب ضد أية قومية أو شعب، و لا أنظر للعرب بوصفهم عرقاً متفوقاً، ولا يحول انتمائي هذا دون انتمائي إلى أرقى ما أنجزته البشرية من علم ومعرفة و أفكار، بل إن تأخر العرب عن امتلاك ذهنية الحرية في التفكير والسلوك والمعرفة هو الذي يجعلني ناقداً لا يهاود واقع العرب، بل إن من شيمة المثقف الذي يجعل من هموم العالم همومه أن يظل حاضر النقد من أجل التجاوز.
فنقد العرب ليس محموداً فحسب وإنما مطلوب وأمر مندوب، غير أن ظاهرة راحت تنتشر بين بعض مثقفي عرب الشام والعراق ومصر وهي التنكر لانتمائهم العربي تنكراً مترافقاً مع نوع من القدح والذم للعرب وتاريخهم وإعلانهم انتماء لأقوام بائدة يرجع تاريخها إلى خمسة آلاف عام قبل الميلاد، واندمجت سكانياً وشكلت ما يطلق عليهم اليوم العرب.
و لا شك عندي في أن حالة كهذه هي حالة مرضية بامتياز، فهي تنتمي إلى مرض احتقار الذات لنفسها، بل هي أقرب إلى مرض اضطراب الشخصية الحدية وهو نوع من الفصام، فالمثقف المسكين الذي يرفض الانتماء إلى هذا العالم القاسي المعاش الذي هو بمعايير التقدم التاريخي العلمي الاجتماعي الثقافي متأخر.
وينتابه شعور بالعجز والاضطهاد لا يجد مخرجاً من شعوره بالنقص واحتقار الذات إلا التنكر لانتمائه المعاصر والبحث في أقوام قديمة أنتجت الأبجدية وبنت الأهرام والحدائق المعلقة عن علاج لحاله.
وليس هذا فحسب فإنه تأكيد لانتمائه الجديد- القديم يشلح العرب القدماء من ثياب الحضارة فلا يعترف بحضارة تدمر والأنباط واليمن ومكة والمدينة، ويدرجهم في عداد الأعراب الأجلاف الذي لم يعرفوا الحضارة والرقي والمدنية.
وكما يعاني المرضى الإسلاميون العنيفون من المرض نفسه ويذهبون إلى الماضي الإسلامي العريق حلاً لفصامهم كذلك يذهب هؤلاء إلى الماضي العريق قبل الميلاد، وكل طرف من هؤلاء المثقفين المساكين يعلن ملكية الماضي له وحده.
إن الأمر وهو على هذه الحال وهذا الحل يقود إلى مأزق لا خروج منه، فلا الفينيقي يمكنه أن يعود إلى الحياة ولا الفرعون سيستيقظ غداً ليبني هرماً جديداً ولا الفاتح العربي سيعيد مجد بني أمية.
العرب أيها الهاربون من واقعكم المعاش إلى ماض مات، العرب في عالم جديد ومشكلات جديدة ومستقبل مرتبط بمستقبل العالم، العرب أيها الفصاميون يحتاجون إلى تفكير بالنهوض العلمي المعرفي السياسي، بعمل دؤوب من أجل الإنسان ومكانته في عالمه.
يحتاجون إلى مثقف يكتشف الإمكانات التي ينطوي عليها عالمهم وليس إلى الحديث عن المستحيلات الغافية في الماضي.
هب أن السوريين واللبنانيين أعلنوا بقرار يصدر عن أصحاب الحكم بأنهم فينيقيون فهل سيخرجون من الاستبداد والاحتلال ويحققون السلم والأمن؟ وهب أن جميع المصريين استفتوا على مشروع بأن مصر هي فرعونية فماذا يعني هذا لملايين الفقراء وللتنمية، وهل ستحل مشكلات الاقتصاد والسياسة.
يبدو أن أبطال المسخرة السعداء في أسرتهم القديمة ليس باستطاعتهم المشي على الأرض، والأرض التي تعلن دائماً أن الحياة هنا والآن وغداً.
نقلا عن صحيفة البيان