نون والقلم

الرئيس الذي خلط الأوراق..!!

كل ما فعله الرئيس الأمريكي في ثلاثة أشهر انه «خلط» الأوراق، ليس فقط في داخل أمريكا وانما في العالم ايضاً، أما منطقتنا فقد كان لها النصيب الأكبر من الهزات السياسية التي كانت بمثابة ارتدادات لزلزال ترامب الكبير.

من المفارقات ان الداخل الأمريكي اكتشف مبكراً رئيسه، وبالتالي فإن أصوات معارضيه وصلت الى حد المطالبة بعزله، فيما لايزال البعض في منطقتنا يراهن على الرجل، وكأنه «المخلص» او المنقذ، أو كأن ما يطلبه قدر محتوم لا بد من الانصياع له بدون أي نقاش.

من المفارقات -ايضاً- ان السياسة الامريكية في عهد  معظم الرؤساء كانت قائمة على اعتبارات مفهومة، وتحالفات مرسومة بدقة وكان ثمة ما يشبه اليقين السياسي المعلن على الأقل، أما في عهد ترامب فلم يعد بمقدور أحد ان يتكهن بما تريده أمريكا بالضبط، ولا أن يعرف كيف يتعامل معها، وبالتالي فإن «المشي» وراء ترامب أشبه ما يكون بالسير بين «الألغام» اذ يمكن ان تنفجر امامك في اي لحظة.

ربما يعرف ترامب ما يريده، لكن الآخرين ما زالوا غير قادرين على فك «الغازه»، فبينما كان يعتقد ان المسلمين «ارهابيون» يخصص أولى زياراته لديار الإسلام ويعود محملاً بالتحالفات والاستثمارات، وبينما يرى ان الألمان «أشرار» فإنه لا يمانع من طلب «ودّ» الأوروبيين وبينما يصنف «طهران» في قائمة الدول الإرهابية فانه لا يتردد عن تجديد اتفاقية النووي معها وعن تزويدها بالأسلحة …وهكذا

براعة ترامب في «خلط» الأوراق كانت واضحة بما  يكفي بعد زياراته للمنطقة التي شهدت انعقاد القمة العربية الإسلامية الامريكية، فقد اشتعلت الحروب السياسية والإعلامية بين الاشقاء في الخليج، وأصبحت طهران «قطباً» جديداً جاذباً لتحالفات لم تكن لتتشكل في ظل تصنيفات كرستها حالة الصراع في المنطقة، أما تركيا فقد انزوت بعيداً وكأنها تعيد «تموضعها» بعيداً عن الاستقطابات القادمة، حتى تل ابيب التزمت الصمت خشية «تقلبات» ترامب مع انها تدرك ان تاريخ العلاقات الامريكية الإسرائيلية عابر للرؤساء اذا ما اقتضت مصلحة إسرائيل ذلك.

في سوريا أيضا استطاع ترامب ان يخلط الأوراق من جديد، فقد كان اول من أطلق فكرة «المناطق» الآمنة، وحين تم الاتفاق عليها، لم تؤيد واشنطن الفكرة، وذهبت الى توجيه ضربتين ضد النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، ثم انها لا تريد ان يكون «الأسد» مكاناً في التسوية السياسية لكنها لا تمانع من بقائه إذا ما كانت «الحرب على الإرهاب» هي الأولوية التي يمكن للنظام ان يضعها على جدول اعماله.

مبداً ترامب -هنا- باختصار هو ان يترك للآخرين، الذين يتحالف معهم او الذين يراهم أعداء لأمريكا، فرصة لكي يأكلوا أنفسهم، ويتصارعوا لتصفية حساباتهم، وبالتالي يضمن ان تكون أمريكا هي المستفيد دائما، ويتجنب أن ينجرّ الى حروب وصراعات تعود عليها بالخسارة، كما يضمن استنزاف الجميع وابقاءهم ضعفاء مقابل الحفاظ على قوة إسرائيل.

هنا تبرز أمام الرئيس الأمريكي ثلاث أولويات، الأولى تأمين أكبر استثمارات واموال لإسعاف الخزينة الامريكية وتجاوز مشكلة «الاقتصاد» وما يترتب عليها من ارتدادات سياسية، الثانية اعتماد «الحرب على الإرهاب». كعنوان أساسي للتعامل مع أزمات المنطقة وتأمين الحضور الأمريكي فيها، وتحت هذا العنوان يمكن لواشنطن ان ترسم سياستها وتحالفاتها وأن تمد نفوذها كما تريد، اما الأولوية الثالثة فهي «التطبيع» مع إسرائيل في إطار تقديم اغراءات بتسويه إقليمية في  المنطقة تضمن مواجهة «الخطر» الإيراني، وإيجاد حل للقضية الفلسطينية كنتيجة ممكنة لهذه التسوية.

حين ندقق  في تفاصيل ما جرى لتمرير هذه الأولويات نكتشف انها مشوبة دائما «بخلط» الأوراق، فهي تبدو من زاوية كأنها «صفقة» فيما تبدو من زاوية أخرى وكأنها «صفعة»، كل طرف يستطيع ان يجدها في مصلحته وعكسها ايضاً، لكن المؤكد ان ما يريده السيد ترامب يتلخص في عنوان واحد وهو ان يبقى العرب تحت «التهديد» دائما وان يكون مصيرهم بيد أمريكا.

نقلا عن صحيفة الدستور الأردني

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى