تحولت الدوحة في السنوات الأخيرة إلى عاصمة لجماعة «الإخوان المسلمين» والتنظيم الدولي لـ«الإخوان»، الذي حط رحاله بين الدوحة وإسطنبول. ومنذ بداية ما يسمى «الربيع العربي» الذي تبنته «قناة الجزيرة» لم يبقَ فرع من فروع جماعة «الإخوان» إلا وزار الدوحة، وحظي بدعم مادي ومعنوي، أما الجماعات المسلحة المنضوية تحت لواء الجماعة فقد حظيت بنصيب الأسد من الدعم في ليبيا وسوريا ومصر، وصولاً إلى دعم «جبهة النصرة» و«داعش» في سوريا.
وبينما ظلت حركة حماس تحظى برعاية سورية – إيرانية – قطرية إلا أنه جاءها أمر من التنظيم الدولي بضرورة فك التحالف مع النظام السوري. وكان همّ قطر في لجة «الربيع» وضجيجه إبراز جماعة «الإخوان» الذين ركبوا موجة الحركات الشعبية متأخرين لقطف ثمارها على أهون سبيل كما حدث في مصر وسوريا. وكان ذلك ضمن النهج الانتهازي للجماعة التي تنتظر نضوج الأحداث ثم تلتحق لقطف الثمار بعد أن يكون غيرها قد دفع الثمن.
لقد أخذت الجماعة تفويضاً من الإدارة الأمريكية السابقة في اتصالاتها مع المخابرات المركزية لكي تعمل في كل الأقطار العربية على تقويض الأنظمة القائمة، بشرط الحفاظ على المصالح الأمريكية وأمن «إسرائيل»، وتضمنت ورقة القيادي «الإخواني» خيرت الشاطر للأمريكيين هذين البندين، مقابل إطلاق يد الجماعة في كل البلاد العربية بوصفها تمثل «الإسلام المعتدل»، لكن الجماعة تلقت ضربة قاصمة عندما أعلن الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز الحظر على الجماعة في المملكة؛ بسبب دورها الهدام في مصر ضد التحرك الشعبي والعسكري لإسقاط نظام «الإخوان»، وبعد الكشف عن خلايا «إخوانية» في الإمارات. وإثر ذلك تموضع نشاط قادة «الإخوان» في تركيا والدوحة بالكامل، وشهدت الدوحة سلسلة اجتماعات لبحث الأوضاع في مصر وسوريا، حيث سبق أن أقامت الجماعة معسكرات تدريب لعناصرها في شمال سوريا قرب الحدود التركية ومعسكرات مماثلة في ليبيا، وكانت تصلها الأسلحة والمعدات والخبراء جواً، وكان الهدف الأساسي لمعسكرات ليبيا تدريب «الإخوان» المصريين وتهريبهم إلى مصر؛ للقيام بعمليات لإفشال الانتخابات فيها، ونقل المعركة من سيناء إلى المدن المصرية.
في مارس/ آذار 2014 عقد قادة «الإخوان» اجتماعاً في الدوحة؛ لتدارس الوضع بعد حظر الجماعة في السعودية، وأبلغ قادة التنظيم «إخوانهم» من فرع مصر أنهم التقوا مسؤولين من المخابرات الأمريكية في بروكسل وأن عليهم إفشال الانتخابات المصرية مهما كان الثمن؛ لأن واشنطن ستكون مضطرة بعد الانتخابات للتعامل مع نتائجها مهما كانت لأنها لا تريد خسارة مصر في إطار الحرب الباردة التي بدأت في التشكل في العالم، سواء كان «الإخوان» في الحكم أو غيرهم. وكنتيجة لهذا الاجتماع شهدت الدوحة وإسطنبول عدة اجتماعات، شاركت فيها كل فروع الجماعة في المنطقة؛ بهدف التخطيط لإفشال الانتخابات المصرية، ومهادنة دول الخليج مؤقتاً.
وظلت الدوحة مذ ذاك عاصمة لـ «الإخوان» يجتمعون فيها ويخططون ويمولون أنشطتهم، ويصدرون الأوامر بالعمليات، واحتضنت الدوحة اجتماعات الفرع الإخواني السوري الذي اشتكى للأمير تميم من التركيز على دعم فرع الجماعة في مصر بدلاً من الفرع السوري، واشتكوا له من سوء معاملة تركيا لهم، فطالبهم بأن يعذروها، وآخر اجتماع شهدته الدوحة لقادة «الإخوان» والمخابرات التركية والقطرية كان في نهاية العام الماضي، وتركز على نقل المعركة في مصر إلى المدن بواسطة الخلايا النائمة، وهو ما استفز القيادة المصرية التي أرسلت إنذارات وأدلة إلى الدوحة تهدد بالانتقام من الإرهاب الذي تتعرض له مصر.
أما حركة حماس فاتخذت من الدوحة مقراً لها بعد دمشق، ولما وجدت أبواب الرياض موصدة حاولت طرق أبواب طهران ثانية بوساطة قطرية، لكن طهران في كل مرة كانت تحيل حماس إلى حزب الله الذي بدوره يحيل الأمر إلى النظام السوري الرافض لأي مصالحة مع حماس، وكان هدف حماس هو ابتزاز دول الخليج «إما أن تفتحوا أبوابكم لنا أو نذهب إلى طهران»، لكن هذه السياسة لم تفلح إلا قليلاً.
حتى الآن ما زالت قطر تنظر إلى غزة كإمارة «إخوانية» من خلال الاستمرار في حكم حماس، ولم تكن زلة لسان تلك التي وردت على لسان أمير قطر عندما قال، إن حماس هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، فهو عملياً لا يقيم أية صلات حقيقية مع الضفة، وكل اهتمام قطر ينصب على غزة مثلها مثل تركيا، لكن الأخيرة كانت توازن علاقاتها بين السلطة وحماس، فيما السفير القطري الذي يتردد على غزة لا مقر له في الضفة، ويصل إلى غزة عن طريق مطار اللد، حاملاً المال في حقائبه تحت أعين «الإسرائيليين»، وقد وهبته حماس مؤخراً مهبط المروحية قرب «المنتدى» أي مقر أبو عمار لإقامة مجمع دبلوماسي يسميه سكان غزة مقر المندوب السامي القطري. فغزة تكتسب أهمية في كونها أول موطئ قدم سيطر عليه «الإخوان»، وظل آخر موطئ لهم وهو على خاصرة مصر وعبره يتسلل الإرهابيون إلى سيناء، وفيه يتدربون ويعالجون جرحاهم. على أن الوضع القطري المعقد خليجياً وعربياً ودولياً ينم عن صراع داخلي لم يحسم بعد؛ لأن هذه السياسة لم تعد على قطر إلا باستقطاب العداء الرسمي والشعبي من كل حدب وصوب.. فهل تحتمل قطر كل هذا؟
نقلا عن صحيفة الخليج