نون والقلم

الجارة المزعجة

لا شك في أن إيران جارة، ولها حدود برية وبحرية مع دول عربية مختلفة، فلا يمكن تغيير الجغرافيا، كما لا شك في أن هناك علاقات قديمة تاريخية عربية مع الشعوب الإيرانية، وقد وطد دخول الإسلام بلاد فارس هذه العلاقات أكثر، إذ لم يميز بين عربي وأعجمي. لكن هذه الحقائق الثابتة لا يمكن أن تعمينا عن أهداف وأفعال وخطط من يمسك السلطة في طهران منذ أكثر من ثلاثة عقود، أهدافه تجاه العرب دولاً وشعوباً ودول الخليج العربي تحديداً. على رغم كل المهادنة والمداراة لنظام الملالي في طهران من دول الخليج، على فترات مختلفة، استمر في خططه، بل إنه انتهز حسن النيات ذاك لبناء قواعد نائمة، من خلال جماعات وأحزاب طائفية، وهو لم يوفر فرصة إلا ويعلن نياته تجاه استقرار دول الخليج، ولنأخذ البحرين مثالاً صارخاً على النيات والأفعال، وقائمة جرائمه في السعودية ودول أخرى لا تحتاج إلى سرد.

طهران الملالي لن توفر دولة عربية أو إسلامية إذا ما استطاعت التغلغل فيها، وها هي تنشط في الجزائر، ودعمت الإرهاب في نيجيريا، وأفعالها في ماليزيا موثقة.

ونظام الملالي على صلافته وتحجره يستثمر الخلافات العربية- العربية، والخليجية- الخليجية، لذا فإن الإشارات الخليجية، حتى لو كانت بعباءة الدبلوماسية، لن تغير من قناعات طهران وأهدافها، بل ستكون فرصة لها لإحداث ثغرات في الصف، ومساحة حيوية للتحرك وتجميل الصورة المخيفة.

إذا أردنا معرفة نيات نظام طهران وأهدافه، لدينا نماذج حاضرة حية تبث حصيلتها على الهواء مباشرة في العراق، الذي تمكنت منه تماماً بلون، وفي سورية التي لم تتمكن منها كاملة حتى الآن بلون آخر. وهي بلون ثالث في لبنان، ورابع مشابه في اليمن. وكل هذه الألوان تجتمع في لون أساسي هو الهيمنة التامة والطائفية المعلنة، وأساسها القتل أو التهجير. لقد أدت سياسات المجاملات والتغاضي إلى ما نحن عليه من استئساد نظام طهران، وهو ما مكن القوى الغربية التي فتحت له المجال، ولم يكذب خبراً من الحضور أقوى من أي وقت سابق، وأجبر على التعاطي معها.

إن إيران النظام لا تعبر عن الشعوب الإيرانية، ولا عن العلاقات التاريخية الوثيقة بين الشعوب الإيرانية والعرب والمسلمين، فمداهنتها والتغاضي عن عدائها المعلن بالأسلحة والقتل مقامرة خاسرة. وإذا وجدت إيران صفاً خليجياً متماسكاً فستنكشف أكثر، لأن كل إشارة إيجابية لإيران لم تدفعها في الماضي إلى التعاطي بإيجابية مع دول الخليج العربي.

هل يستطيع عربي، أو غيره، ملم بما يحدث، التغاضي عن جرائم إيران في العراق أو في سورية؟! وإذا قدر لها الإمكان فستفعل أكثر منها في بلاد عربية أخرى، وهي تعمل بجهد على تحقيق ذلك.

نقلا عن صحيفة الحياة

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى