أهمية قصة الشاب الليبي (اسمه سلمان عبيدي) الذي فجر نفسه في صالة للاحتفالات بمانشستر في بريطانيا لا تقتصر – فقط- على الرسائل والتداعيات، وهي خطيرة هنا، وانما تتجاوزها الى الترتيبات والمقدمات ايضاً.
الشاب الذي ولد في بريطانيا لأسرة هاجرت قبل نحو ثلاثين عاماً، يبدو معروفا بأفكاره المتطرفة، هكذا يصفه امام المسجد الذي كان يصلي فيه، وكذلك يؤكد والده انه سبق وأبلغ عنه الجهات البريطانية المختصة، لكن لأسباب لا نعرفها يستطيع الشاب ان يسافر الى الخارج، سوريا او ليبيا لا نعرف بالضبط، ثم يعود قبل أيام عن طريق تركيا ليفجر نفسه، نكتشف لاحقاً انه خطط مع شقيقه للقيام بعملية في لندن وأخرى في طرابلس بليبيا، ثم ان العملية التي نفذها شاركه في التخطيط لها أشخاص آخرون (عدد المشتبه بهم 5 اشخاص حتى الآن)، السؤال هنا من شقين : الأول كيف استطاعت «داعش» ان تجند هذا الشاب وأن تؤمن له السفر في غفلة الأجهزة الأمنية البريطانية ليتلقى التدريب ثم يتحرك ومعه اخرون لاختيار هدفهم والاعداد لجريمتهم، اما الشق الثاني فهو اين كانت السلطات الأمنية البريطانية من شخص معروف لديها بأن لديه جنوحاً للتطرف، ألم تكن وضعته تحت المراقبة، فكيف اذن سمح له بالسفر ثم بالدخول مرّة أخرى قادماً من مناطق مصنفة امنياً انها مراكز او ممرات للإرهاب.
الإجابة تضعنا اما ثلاث ملاحظات، الأولى هي ان يد داعش أصبحت «طائلة» وممتدة، ويمكن ان تختار هدفها وان تصل الى أي مكان، وبالتالي فإن انحسارها في مراكزها بالموصل والرقة لا يعني وفاتها او نهايتها، بقدر ما يعني «فيضان» عملياتها الإرهابية الى خارج حدودها حيث العالم كله.
الملاحظة الثانية هي ان مواجهة الدول للإرهاب مهما كانت قدراتها الأمنية كبيرة أصبحت محل تساؤل وربما استغراب، لا اتحدث هنا فقط عن الثغرات الأمنية التي يمكن ان يدخل منها الارهابيون لتنفيذ عملياتهم، وانما عن «الفشل» الذي منيت به الدول في ضبط «ساعاتها» الأمنية على موعد وتوقيت «الإرهاب «وعلى الأشخاص الذين يمكن ان يمارسوه، سواء اكانوا من المشتبه بهم او من غير الموسومين بجنحة التطرف، هذا الفشل يعني ان قدرة «الإرهاب» أصبحت عابرة لكل الاحتياطات والامكانيات التي تملكها الدول، وبالتالي فإن الخطر القادم من «عولمة» الإرهاب أصبح جدياً أكثر مما نتوقع.
الملاحظة الثالثة هي ان التسليم «افتراض إن شئت» صحة الملاحظتين السابقتين يجب ان يعيد الدول الى الحقيقة المتعلقة بالتطرف والإرهاب سواءً فيما يتعلق بأسبابها والظروف المنتجة لها او بالمقاربات التي لابد ان توضع لمواجهتها، وأقصد هنا تحديداً ضرورة فهم ظاهرة التطرف والإرهاب في سياق سياسي واجتماعي لا في سياق اقتصادي او أيديولوجي فقط، كما لا بدّ من تزامن المواجهة الأمنية والعسكرية لهذه الظاهرة مع المواجهة الفكرية والثقافية أيضا.
لا يمكن ان نتحدث – بجدية- عن مواجهة التطرف و الإرهاب الاّ اذا نجحنا في الإجابة عن أسئلة لا تزال معلقة، سؤال الذات الذي تعكسه أزمات المنطقة التي تصدر الإرهاب، سواء في سوريا او العراق أو ليبيا او اليمن، ازمة «السنة» اولاً وأزمة حروب الطائفة والمذهب ثانيا، وأزمة الظلم والاستبداد الذي تمارسه أنظمة الحكم ثالثاً، وأزمة البحث عن الهوية التي يبحث عنها الشباب «التائه» والمحبط، ثم سؤال الآخر الذي تعكسه علاقة العالم بنا، ومسؤوليته عن ازماتنا، ودوره في حروبنا، ومصالحه التي يبحث عنها داخل بلداننا، وفهمه لمعتقداتنا وخصوصياتنا وطموحاتنا المشروعة.
مالم نحسم الإجابة عن سؤالي الذات والآخر عند التصدي لمواجهة التطرف والإرهاب، فإن كل مقارباتنا «ستنكسر» أمام قوة هذا «الوافد» الغريب على ديننا ومجتمعنا، وسنجد أنفسنا أمام «عفاريت» وقرود جديدة تخرج كل يوم من حيث لا نعرف ولا نتوقع، ونفاجأ بهزائمنا أمام عدد قليل من الأشخاص الذين سيحولون حياتنا جحيما، فيما هم على ثقة بأن موتهم وقتلهم لنا سيدخلهم الجنة بلا حساب.
بقي ان أشير الى نقطة أخيرة، وهي ان شهر رمضان الكريم سيكون موسماً «للإرهاب» وهذه مفارقة مخجلة وصادمة، اذ لا يتوقع عاقل ان يكون ثمة مشترك بين شهر الرحمة وبين القتل، لكن الإرهابيين يرونه شهراً «للسيف» والقتل والدمار، وجهادهم في الصوم ليس ضد النفس وشهواتها وانما ضد «الحياة» والبقاء لعباد الله المسلمين وغير المسلمين، ولذا اقتضى الحذر والانتباه في هذا الشهر الكريم.
نقلا عن صحيفة الخليج