نون والقلم

ما يريده الوطن العربي من ترامب

منذ أقدم الأزمنة والوطن العربي يشكل قلب العالم جغرافياً وروحياً وفكرياً وحضارياً. عليه هبطت الأديان السماوية، وفيه ترعرعت أولى الحضارات الإنسانية وإليه اتجهت المشاعر والأفئدة. وليس غريباً أن يظل هذا الوطن منطقة يتمحور حولها الاهتمام السياسي والاقتصادي والثقافي، لكن الغريب – وله كل هذه المكانة – أن يبقى عرضة للغزو والأطماع ومهداً للصراعات والحروب وما كان يترتب عليها دائماً من ردود أفعال وانتصارات وانكسارات، ومن شعور يقظ لدى أبنائه بأن يكونوا على مستوى المسؤولية والتحديات.

وما يلفت الانتباه ويدعو إلى المراجعة أن هذا الوطن وعلى مدى سبعين عاماً وأكثر يغلي بالمشكلات المستوردة والمعدة خصيصاً لإشغاله وتبديد طاقات أبنائه، سيما بعد الحملة الاستيطانية الصهيونية التي تم الإعداد لها من الغرب ممثلاً بالاستعمار القديم والجديد لتكون أداة إقلاق وتهديد.

ولا يوجد أدنى شك في أن حكام الولايات المتحدة الذين تتابع ظهورهم وغيابهم منذ الأربعينات إلى الأمس القريب كلهم كانوا يدركون هذه الحقيقة إدراكهم لأهمية المنطقة استراتيجياً واقتصادياً وبدلاً من أن يسهموا في العمل على إعادة الاستقرار والهدوء إليها ظلوا يمارسون دورهم لمصلحة الدوائر الصهيونية منذ أواخر القرن التاسع عشر وقبل أن تخرج الدولة العظمى من عالمها، المحلي والغني عن التوسع. وإذا كان الرئيس الجديد دونالد ترامب قد اختار أن تكون أولى زياراته إلى الوطن العربي فإنه يكون قد أدرك محنة هذا الوطن وسبب معاناته وما يصدر عن الكيان الصهيوني المزروع خطأ وعدواناً في المنطقة. وربما يقوده الإدراك إلى اتخاذ قرار حاسم وعاجل.

إن محنة فلسطين ليست محنة الوطن العربي والعالم الإسلامي بل هي محنة أرهقت وجدان البشرية وكاهل الأرض التي صارت عرضة لمشكلات ناتجة عن هذه المحنة، ويستطيع هذا الرئيس وله مستشارون على درجة عالية من الخبرة في شؤون العالم أن يضع الحل الذي انتظرته الأمة العربية والعالم الإسلامي، وسيكون مفتاحاً لاتخاذ حلول أخرى لمشكلات يعانيها العالم في أكثر بقاع الأرض. ولن ننسى أن الولايات المتحدة هي الدولة العظمى التي اشتهرت بأنها الراعية الأولى وربما الوحيدة لمبادئ الحرية وحقوق الإنسان وحق تقرير المصير. وما يقال عن تجاهل التحالف الغربي لقضايا الأمة العربية لم يكن سوى استجابة لموقف البيت الأبيض وإصراره على أن تظل قضايا هذه الأمة معلقة في الفضاء يتلاعب بها ساسة الدول الكبرى وينظرون إليها كواحدة من المشكلات التي تقادم عليها العهد وهدأت سخونتها في حين يقول الواقع غير ذلك، فليس هناك مكان ساخن إلى حد الاشتعال كالوطن العربي.

إن أنظار العالم – كل العالم – كانت منذ أيام تتركز على مكان لقاء القادة العرب بالرئيس الأمريكي، وما يدور فيه، وما سوف يسفر عنه، وهو بالنسبة للوطن العربي والعالم الإسلامي يفتح الصفحة الأخيرة من العلاقات مع الولايات المتحدة، والأمل في أن تكون نتائج هذا اللقاء انعكاساً للأماني التي كانت قد خمدت وحل محلها شعور مرير من الإحباط واليأس بعد سنوات من الصبر. وزيارة في مثل هذا الحجم وفي ظروف عصيبة وعاصفة كهذه الظروف يأمل العالم أن تكون نتائجها في المستوى نفسه واضحة وحاسمة. لقد تغيرت سياسات الأنظمة في الشرق والغرب الأوروبي وبقيت سياسات الولايات المتحدة جامدة كما هي منذ الأربعينات، ومن المهام الأساسية للرئيس دونالد ترامب تغيير هذه السياسات التقليدية التي لم تعد تتناسب مع التطورات الحاصلة في عالم اليوم، ولا أظن أن ذلك من الأمور الغائبة عن ذهن الرئيس ومستشاريه الذين ضاقوا بما كان عليه الحال في دولة عظمى هي الأولى في التأثير في العالم.

 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى