نجح معن بشور الشخصية القومية المؤسسة للمؤتمر القومي العربي، في استمرارية عمل المؤتمر واجتماعاته الدورية المتتالية وتوسيعها باللجان والمؤتمرات الفرعية ومشاركة الاحزاب والشخصيات المتمسكة بخيارها القومي رغم المازق الذي يواجه حركة التحرر العربية، وتشتت مؤسساتها الجماهيرية وغياب التغطية المالية عنها، والحروب البينية التي مزقت الشعوب العربية وبلدانها، ومع ذلك بقي المؤتمر القومي العربي مؤسسة جماهيرية معنوية تتوسل اعلان سياساتها ومواقفها، والحفاظ على ما تبقى في نفوسنا من ولاء ورغبة في الانحياز لعروبتنا وقوميتنا والتطلع الجامح لوحدتنا، وعنواناً لها .
وفي اطار المؤتمر القومي العربي ومن رحمه، وُلد مؤتمر فرعي يتطلع لان يشكل حالة ضميرية تتجاوز الاستعصاء الذي يواجه الحالة القومية بسبب التمزق والحروب البينية والمؤامرات المتعددة الاشكال من الولايات المتحدة وادواتها، ومن المشروع الاستعماري التوسعي واذنابه، ومن التخلف العربي وممارساته، ادى ذلك وبسببه وانعكاسه المباشر على الحركة الوطنية الفلسطينية وتمزقها وانقسامها بين تحالف احزاب وفصائل التيار الوطني القومي اليساري من جهة واحزاب وفصائل التيار الاسلامي من جهة اخرى، ومع ذلك باشر المؤتمر القومي مبادرته، الدفع باتجاه “ العدالة من اجل فلسطين “، والذي عقد مؤتمره الثالث في بيروت بعد مؤتمره الثاني في تونس، وتم هذا العام بالتوافق الزمني مع ذكرى النكبة 15 ايار، وسبعين عاماً على قرار التقسيم، ومائة عام على قرار بلفور المشؤوم، وتطبيقاته على الارض بالاحتلال الاول عام 1948 والاحتلال الثاني عام 1967، وتم تكريس المؤتمر هذا العام لتناول هذه الوقائع، واستذكار قضية الاسرى واضرابهم والتضامن معهم، ولهذا يستحق التقدير من كل من له انتماء قومي وولاء فلسطيني .
الحضور الفلسطيني كان مميزاً وقوياً من ممثلي فتح وحماس والشعبية والديمقراطية والتحرير الفلسطينية والعربية وغيرهم من الفصائل والشخصيات، اضافة الى عدد من الرموز التي تتوسل التعبير عن فهمها القومي والانحياز لهذا الفهم، الحضور الفلسطيني رغم اهميته ونوعية مشاركته، ورغم بيانه الوحدودي الاخلاقي المعنوي رفيع المستوى، ولكنه بقي اسيراً للوضع القومي المازوم وانعكاساته على الوضع الفلسطيني، وبقي متردداً في تناول القضايا الحيوية التي تستحق المناقشة السياسية والعلمية وتقديم اجابات على الاقل نظرية لمجمل التحديات التي تواجه الحركة الوطنية الفلسطينية وفشلها بعد خمسين عاماً من النضال في دحر الاحتلال على الاقل عن الجزء الثاني من فلسطين الذي تم احتلاله عام 1967 .
خطابات قادة الفصائل الفلسطينية، اغلبها كانت استعراضية، تتوسل الحضور ولكنها لم ترتق لمستوى خطابات الاصدقاء الاجانب الذي كان حضورهم مميزاً ولافتاً يعكس عدالة القضية الفلسطينية وحجم التضامن مع شعبها ورفضهم للمشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي، الامر الذي يتطلب حقاً تشكيل لجنة متخصصة او خلية عمل، او ادوات اتصال منظمة لتعميق وعي هؤلاء الناس المنخرطين بالانحياز لقضية الشعب الفلسطيني حتى نخاع العظم، ومتفرغة لمتابعة هؤلاء لانهم رصيد وغطاء لعدالة القضية الفلسطينية، وذلك رداً على الصهيونية التي نجحت في بلورة وفرض مشروعها الاستعماري لسببين : اولهما مبادراتها التنظيمية، وثانيهما لدعم وتبني قطاع واسع من المجتمع الدولي لمشروعها ودعمها على ارض فلسطين .
قادة الفصائل الفلسطينية الذين قادوا الثورة ولازالوا، وحققوا انجازاتها وتحملوا اخفاقاتها يحتاجون لوقفة تامل وتقييم ومراجعة كي يواصلوا العمل وحتى تكون تضحيات شعبهم ورفاقهم لها قيمة ونتائج، ولن تذهب سدى امام تفوق العدو ومشروعه الاستعماري التوسعي، فالتفوق لا يعني الصواب طالما انه يفتقد للعدالة، والضعف لا يعني التنازل طالما ان ثمة شعبا مظلوما لا يقبل الظلم ويواصل رفضه بالادوات المتوافرة لديه، وها هو شعب فلسطين يقدم نماذج متقدمة وعميقة في التضحية وفي البحث عن ادوات كفاحية بدءاً من ثورة السكاكين الفردية التي انطلقت منذ شهر تشرين الاول 2015، مروراً بانتفاضة الاسرى واضرابهم منذ الـ 17 من نيسان ودخل شهره الثاني بلا حراك عربي يوازي بسالتهم وشجاعة ارادتهم .
لا ثورة السكاكين وجدت الحاضنة المطلوبة، ولا اضراب الاسرى وجد الدعم الذي يستحقه، مما يتطلب التامل والتقييم والمراجعة .
المؤتمر القومي العربي، ومبادرته العدالة من اجل فلسطين، شمعة مضيئة في ظلمة التراجع والانحسار وتغيير الاولويات، ومن هنا قيمة ما يفعله باعتباره ضميرا قوميا مازال ممسكاً بجوهر ما يجب ان نكون عليه، وما نبحث عنه وما نرجوه .
نقلا عن صحيفة الدستور