في الوقت الذي تتجه فيه الشركات الغربية إلى ترك التقييم السنوي للموظف بسبب عدم جدوى هذا التقييم في رفع أداء الموظف أو تحسين أداء العمل بشكل عام، مازالت معظم الشركات في العالم العربي تعتمد التقييم السنوي كأداة لتقييم الموظفين على الرغم من أن الكثير من الأبحاث والدراسات الحديثة أظهرت أن التقييم السنوي لا يرفع الأداء فقط بل قد يؤدي إلى هبوط مستوى وأداء الموظفين والإدارة.
الغرض الرئيسي المزعوم من تقييم الأداء هو مساعدة المرؤوسين على معرفة نقاط الضعف لديهم وكيفية تحسين أدائهم للأفضل أو العمل بشكل مختلف، ولكن استخدمت إدارات الشركات التقييم السنوي بشكل كبير منذ عقود طويلة كسلطة للسيطرة على الموظفين. وفي الثمانينات انتشر مفهوم تقييم الأداء أثناء الثورة الصناعية وأشتهرت به شركة جي أي (GE) في عهد رئيسها السابق جاك ويلش الذي أستخدم نظام الترتيب والخلع “rank and yank” حيث يتم تقييم جميع الموظفين وترتيبهم حسب التقييم ومن ثم فصل أقل ١٠٪ أداء من الموظفين.
ومع تحول طريقة وبيئة العمل وسرعة التواصل أصبح الاعتماد على الأداء الجماعي (Team work) والإبداع والابتكار من الموظفين لصناعة منظمة متعلمة (learning Organization) من أهم أسباب نجاح الشركات في القرن الواحد والعشرين, أصبح التقييم الفردي للموظفين من الأدوات والأنظمة التي تعيق نمو ونجاح الشركات بشكل كبير, لذلك توقفت كثير من الشركات عن استخدام نظام التقييم السنوي وفي مقدمتهم شركة جي أي وشركة قوقل وشركة فيسبوك وشركة أبل وغيرها من الشركات المتقدمة.
وأظهرت العديد من الدراسات أن التقييم السنوي الذي يوضع من قبل المدراء للموظفين غير موضوعي وتدخل فيه الكثير من الأمور الشخصية وهذا يؤدي إلى أن الموظف يلجأ للعمل لإرضاء المدير ومصلحته الشخصية على حساب إرضاء العميل ومصلحة الشركة التي يعمل بها مما يساهم في خفض أداء الشركة. التقييم الفردي يلغي مشاركة نظام وبيئة العمل في أداء الأفراد والإدارة بشكل عام, فنفس الموظف قد يخفق في بيئه وينجح نجاح باهر في بيئه أخرى. كذلك أشارت الدراسات إلى أن التقييم دائما ما يختلف من مدير لمدير ومن قطاع لقطاع داخل نفس الشركة ومن يحصل على تقييم منخفض من مدير معين ممكن أن يحصل على تقييم مرتفع من مدير آخر وهذا يخلق جو من عدم الرضا بين الموظفين لقناعتهم بعدم مصداقية وعدل هذا التقييم المجحف.
وعادة ما يتم ربط تقييم الأداء مع الترقيات والعلاوات السنوية عبر استخدام منحنى التوزيع الطبيعي (Normal distribution Curve) لتحديد المستحقين من الموظفين, وهذه الطريقة غير منطقية حيث أن التوزيع الطبيعي لأداء الموظفين كذلك يختلف من إدارة لإدارة ومن مدير لمدير وبالتالي ممكن أن يحصل على الترقية أو العلاوة موظف أقل أداء من كثير من الموظفين في الشركة، بالإضافة إلى أن هذه الطريقة تقسّم وتسّلم بوجود موظفين نجوم وموظفين متوسطين وأخرين سيئي المستوى وهذا يخلق مناخ من التنافس الداخلي بين الموظفين ويقتل العمل الجماعي.
يقول البروفيسور سامويل كولبيرت من جامعة UCLA في كتابه «تخلص من تقييم الأداء» أن التقييم السنوي للموظف مجرد وسيلة في يد الإدارة لتبرير ترقية وعلاوة أو عدم ترقية وعلاوة الموظف, كما يضيف أن الكثير من المدراء الذين لا يملكون القيادة والمهارة لإقناع الموظفين للعمل بطريقة معينة يلجأون إلى سلاح التقييم السنوي لإجبار الموظفين على قبول واتباع طريقتهم في العمل. وهذا يخلق ما يسمى الإدارة بالتخويف «Management by fear» فتصبح طلبات المدير أوامر واجبة التنفيذ وإن كانت غير منطقية أو جاءت متأخرة أو أنها لا تخدم الإدارة أو المؤسسة وكذلك تصبح تعليقات المدير مقبولة وإن كانت جارحة أو لا تمت للحقيقة بشيء ولا يمكن قبولها خارج مكان العمل.
بعد كل هذا الطرح يمكن أن يتبادر سؤالين للقارئ: الأول، لماذا تستمر الشركات والمؤسسات في استخدام التقييم السنوي للموظف, والثاني وهو الأهم ما هو النظام البديل للتقييم السنوي؟
للإجابة عن السؤال الأول، يجب معرفة أن الكثير من الشركات مازالت مستمرة في استخدام التقييم السنوي لأنهم تعودوا على نظام الإدارة بالتخويف ولا يجيدون غيرها، فعكس ذلك يعني الإدارة بذكاء واهتمام وتعاون مع الموظفين وقليل من المدراء من لديه الكفاءة والمهارة للتعامل بهذه الطريقة.
ثانيا، حب المدير للسيطرة على القرارات والظهور بأنه دائما على صواب دون استعداد للنقاش والمراجعة فكثرت الأخطاء تشعرهم بالضعف.
ثالثا، التقييم السنوي نظام جامد ويعمل بطريقة موحدة كإجراء وعكس ذلك يعني التغيير والإصلاح المستمر للإجراءات الداخلية وهذا يضيف الكثير من العمل الشاق الذي لا تفضله الموارد البشرية في كثير من الشركات.
النظام البديل الذي بدأت الشركات باستخدامه يتمثل في التوجيه والتدريب المستمر من قبل المدراء للموظفين، فمهمّة المدير هو أن يعمل ويتأكد من أن جميع الموظفين يؤدون العمل المتوقع منهم دائما على أفضل وجه عبر متابعة أعمال الإدارة والتقييم المستمر للأداء لغرض تحسين المخرجات باستمرار وعبر التركيز على العمل الجماعي والتعاون بين الموظفين والنقاش البناء معهم لفهم احتياجاتهم للوصول لأفضل أداء لتحقيق أهداف الإدارة والمؤسسة، وليس لمكافأة أو لمعاقبة بعض الموظفين أخر العام. فلا يوجد موظف نجم وموظف متوسط وآخر سيء في الشركات المتطورة, فالجميع يجب أن يكونوا على مستوى عالي من الأداء، وفي حالة استمرار الضعف في أداء موظف معين بعد توفير التدريب والتوجيه اللازم له فهذا يعني أن الموظف غير ملائم للشركة وتم توظيفه بالخطأ وهذا تتحمله الإدارة ونظام التوظيف في الموارد البشرية, وهنا يظهر أهمية مفهوم التوظيف على القيم والتدرب على المهارات.
مستشار وباحث في تميز الأداء المؤسسي بولدريج ومحكم في مجال الإبداع وتحسين الأداء
دكتوراه في الهندسة الصناعية وماجستير في إدارة أعمال