اخترنا لكنون والقلم

إسرائيل التي تتمدّد

مثل صحن تبولة في حوش شامي سوريا الآن. كل ما فيه شامي ما عدا الشام. الطباخون كُثر لكن السكين واحدة تقسم سوريا إلى قطع آمنة والكل مدعو إلى وليمة لوحوش البحر لا لأعشاب البحر التي أعدها حيدر حيدر لوصف ما يجري الآن قبل ثلاثين سنة.

وفي الأثناء يتضخم الفيل الإسرائيلي ويتمدد المشروع الصهيوني فيما تتقلص أمعاء الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام للشهر الثاني.

ما يجري في منطقتنا العربية وخاصة في العراق وسوريا وفلسطين، موجود في وثيقة للسياسات الاستراتيجية أعدها مجموعة من الباحثين بقيادة ريتشارد بيرل قدمت لنتانياهو عام 1996. حملت هذه الدراسة عنوان

A Clean Break: A New Strategy for Securing the Realm وتعني الانفصال النظيف، استراتيجية جديدة لتأمين «المملكة». بمعنى الانسحاب من الظروف المحيطة بشكل تام وسريع، كاستراتيجية جديدة لحماية وتأمين «مملكة» المشروع الصهيوني.

ما تنطوي عليه هذه الاستراتيجية هو أبعد ما يكون عن الانفصال النظيف، بل هو مستنقع دامٍ لا مخرج منه، ولكن الاسم ينطوي على عامل نفسي يمهّد لتقبّل استراتيجيات شديدة القذارة لأن اسمها «نظيف».

الدراسة قدمت لنتانياهو قبل أن يصبح رئيساً للوزراء ببضعة أشهر، والباحثون الذين أعدوها من اليمينيين الجدد الذين تغلغلوا في إدارة بوش الابن وفبركوا غزو واحتلال العراق.

تقترح الوثيقة نهجاً جديداً لحل مشكلات إسرائيل الأمنية وتتضمن: التخلص من النظام العراقي تمهيداً لاحتواء سوريا من خلال حروب بالوكالة، التركيز المستمر على حيازة سوريا لأسلحة دمار شامل.

التخلص من أنظمة عربية عدة من خلال حروب وكالة. إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط. وتستخلص الدراسة أن «نجاح وتفوق إسرائيل لن يتحقق بأخطاء كامب ديفيد وأوسلو ولكن بسياسة فرق تسد وتغيير الأنظمة بحروب وقائية قذرة».

مربط الفرس في كل ما يجري في المنطقة العربية يعود إلى «إسرائيل» والمشروع الصهيوني .

في الخامس عشر من مايو (1948) نشرت «نيويورك تايمز» تحت عنوان «إسرائيل تعلن الاستقلال في الرابع عشر من مايو (1948)»: أعلن – ديفيد بن غوريون – إعلان الدولة الجديدة بصفته رئيس المجلس الوطني، وأول رئيس الوزراء للدولة – التي ولدت ثانية – وذلك في احتفال بسيط رزين عند الرابعة مساءً.

نيويورك تايمز صحيفة ذات رؤية وموقف واطلاع سياسي، تعكس جوهر السياسة الأميركية منذ إقامة الكيان الصهيوني الإسرائيلي والمؤيدة بلا حدود لإسرائيل. فوصف بن غوريون، والإشارة «للمجلس الوطني» و«الدولة التي ولدت من جديد».

ووصف التحرك العربي (بجيوش الغزو) إنما تعبر عن جوهر تلك السياسة الأميركية التي لم تتغير بعد مضي سبعين عاماً على إقامة «الدولة». ففي (أكتوبر 2010) نشرت الصحيفة نفسها «أن إسرائيل معنية بالأرض، والأمن والقدس وقلقة بشأن حق العودة للاجئين الفلسطينيين عام 1948 الذي يرفضون التنازل عنه». وهي القضايا التي تشكل محاور رئيسية في الصراع السياسي الحالي.

على الرغم من التغيرات الهائلة التي حدثت في المنطقة، جيوسياسياً، فإن جميع المحاولات التي بذلتها الإدارات الأميركية المتعاقبة، لإيجاد تصورات لحل القضية الفلسطينية، والتي أصبح يطلق عليها «أزمة الشرق الأوسط» أن جميع تلك المحاولات .

وما أفرزته من خطط أو خرائط طريق للتوصل إلى تسوية كانت متأثرة بجوهر تلك السياسة الأميركية التي عبر عنها الرئيس ترومان والمتمثلة باعتبار إسرائيل «قوة حليفة واعدة لحماية المصالح الأميركية في المنطقة».

الإدارة الأميركية الجديدة أعلنت أنها لن تفرض «حلاً معيناً» على الطرفين وهي بذلك تساوي بين الضحية والجلاد، بين المتسلح بأسلحة نووية وبين المتسلح بسكين مطبخ وبأمعائه الخاوية مضرباً عن الطعام – للأسبوع الرابع – في سجون الاحتلال. ونحسب أننا أمام دوامة سلام جديدة سنجني حصادها ما جنيناه منذ أول مؤتمر سلام «مدريد 1991»!!

نقلا عن صحيفة البيان

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى