اخترنا لكنون والقلم

تغيير صورة الصراع العربي الصهيوني

عند التعامل مع الموضوع الصهيوني نحتاج إلى أن نعطي اهتماماً خاصاً لعدة جوانب، إذ إن عدم مواجهة انعكاساتها على مسيرة الصراع العربي – الصهيوني سيكون كارثياً على نتائج الصراع في المدى البعيد.
أولاً: قبل اجتماع لبحث «مستقبل المشروع الفلسطيني» من قبل مجموعة من السياسيين والكتاب والإعلاميين منذ بضعة أيام، همست في أذن أخ يجلس بجانبي: «ها نحن نجتمع للمرة الألف لبحث موضوع هذا الصراع»، وأضفت: «عقبال من سيحضرون للمرة المليون».
بالرغم من نبرة الحزن واليأس فيما قلته، إلاّ أنه يحمل أيضاً نبرة الإصرار والاستمرار فيالخطر الصهيوني حتى ولو طال الزمن، وإن قول الكلمة النهائية في هذا الموضوع سيكون لنا، نحن العرب، وليس للصهاينة.
وهذا ما يجب أن يكون واضحاً ومترسخاً في أذهان الأجيال العربية المتعاقبة. فإذا كان اليهود الصهاينة قد حافظوا على أسطورة وكذبة أرض الميعاد لمدة عشرين قرناً فإن حقيقة ومهمة استرجاع وطن مسروق تستطيع هي الأخرى أن تنتظر تغيّر الظروف الدولية والعربية السيّئة الحالية إلى ظروف أفضل تسمح بدحر المشروع الصهيوني لا في فلسطين فقط، بل في كل أرض العرب.
هذه معركة ذهنية ونفسية مع الواقع، لا يجب أن يسمح للصهاينة ولا لحلفائهم أن يقرروا نتائجها. إنها معركة طويلة النفس، وصراع إرادات، ورفض للتراجع أمام إذلال حقير. من هنا أهمية جعلها جزءاً من ثقافة متجددة يشربها الطفل العربي مع حليب أمه، ويعيها حتى يوم مماته.
ثانياً: هناك ثقافة متعددة الوجوه، شيطانية الوسائل والمقاصد، بدأت تنتشر مؤخراً وتقوى؛ فهي تبدأ بتغيير عناوين الموضوع، إذ ما عدنا نتعامل مع خطر صهيوني وجودي على أمة العرب، وإنما مع نزاع فلسطيني – «إسرائيلي». وهي تتجنب ذكر حقائق أساسية بالنسبة للموضوع، من مثل أن أكثر من 85% من أرض فلسطين أصبحت محتلة، وجزءاً مما يسمى بدولة «إسرائيل»، وأن حملة الاستيطان الصهيوني المسعورة لن تترك أكثر من 10% من أرض فلسطين التاريخية ليسكنها الشعب الفلسطيني المقدّر عدده حالياً باثني عشر مليوناً، ومن مثل أن الصهيونية لا تزال في شعاراتها السياسية وأدبيات فكرها وهلوساتها الدينية ترفع شعار« من الفرات إلى النيل»، ومن مثل أن لدى الصهاينة وعداً أمريكياً بأن لا يسمح الغرب قط للقوى العسكرية العربية مجتمعة أن تتساوى مع القوة العسكرية الصهيونية، ومن مثل أن لا يسمح الغرب قط للعرب أن يمتلكوا السلاح النووي ليوازنوا به السلاح النووي الصهيوني.
هذا بالنسبة لمحو الحقائق المرعبة من ذاكرة الأجيال العربية الحالية والمستقبلية.
ولكنّ هناك وجوهاً أخرى للثقافة الجديدة. فالذي يشدد عليه الآن هو أن أي مقاطعة عربية للبضائع الصهيونية أو للأنشطة الدولية والإقليمية التي يشارك فيها الصهاينة.. إن هذه المقاطعة تتناقض مع متطلبات العولمة. وعليه فإذا كان العرب يريدون أن يكونوا جزءاً من العولمة فعليهم التخلي النهائي عن المقاطعة، بل والانتقال الكامل للتطبيع مع هذا الخطر الاستعماري الوجودي الذي ينادي بإخراجهم من التاريخ والمستقبل.
ومع الأسف فإن الكثير من العرب، فنانين وإعلاميين ورياضيين ورجال أعمال ورجال استخبارات ومسؤولين سياسيين، قد بدأوا يقتنعون بهذه الأكاذيب والدعايات المصنوعة في مدينة تل أبيب، وبدأنا على الأخص رؤية الوجوه الصهيونية وهي تتحدث عبر محطات تلفزيونات العرب وتحضر أشكالاً من مؤتمراتهم إلخ…
نحن أمام ثقافة تتلون بألف لون من أجل تغيير أذهان ومشاعر والتزامات وثوابت جيل الشباب العربي حتى ييأس من جهة، وحتى يقبل بالهيمنة الصهيونية الكاملة على حاضره ومستقبله عبر كل أرضه. وهي ثقافة سنحتاج لمواجهتها جهوداً رسمية متناغمة مع جهود المجتمعات المدنية العربية.
ثالثاً: وهذا من أخطر الجوانب. لقد كان الحديث في الماضي عن الصراع العربي -الصهيوني يقتصر على الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية. لكن الجنون الطائفي العبثي الذي يجتاح الأرض العربية حالياً بدأ يدخل الموضوع الصهيوني في قلب الدين الإسلامي. وهذا يمثل أخطر وأعقد زج للموضوع الصهيوني في الحياة العربية. ولايحتاج الإنسان إلى التذكير بالجوانب العاطفية المتخيلة التي دخلت في الخلافات الفقهية الإسلامية عبر القرون لتقلبها من خلافات فقهية إلى خلافات طائفية مليئة بالأكاذيب والاستعمالات السياسية الانتهازية.

ما يحزّ في النفس أن بعض العرب قد وقعوا، دون قصد، في هذه اللعبة الخطرة، ونسوا أن الخطر الصهيوني هو خطر على الجميع، على كل العرب المسلمين والمسيحيين، على كل المذاهب والمدارس الإسلامية.

وهكذا، فكما خدعت الصهيونية بعض العرب وباعتهم كذبة السلام العادل، سلام الشجعان، فستبيعهم كذبة الحرص على حماية هذا المذهب من ذاك ، ليخسر الجميع، وتربح الصهيونية الربح المؤكد في المدى البعيد.
الواقع أن موضوع الصراع العربي- الصهيوني هو في سيرورة متغيرة، مليئة بالمؤامرات والمطبات، وسيحتاج إلى استبدال سبل مواجهة أخطاره الكبيرة، بالكشف الدائم لألاعيبه، وبتوعية الأجيال العربية بصورة دائمة، وبالاقتناع الذي لا يتزعزع بأن الخطر الصهيوني الوجودي في الحياة العربية لن ينتهي إلاّ بهزيمة جنوده ومجانينه وأساطيره وألاعيبه، سواء طال الزمن أو قصر. إنه قدر العرب الذي فرضه الغير عليهم، ولايمكن الفرار من ذلك القدر.

نقلا عن صحيفة الخليج

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى