لم تفز «مارين لوبان» برئاسة الجمهورية الفرنسية، ومرت الانتخابات هادئة متزنة بعد كل مقاطع الإثارة التي عايشناها في الأشهر الأخيرة، واثبت الفرنسيون أنهم فعلاً ليسوا من هواة «الأكشن» الهوليوودي، تماماً مثل أفلامهم السينمائية، حتى تفهمها عليك بمتابعة كل مشهد والاستماع لكل حوار، وبعد النهاية قد تجد نفسك تتساءل «ما الذى حدث؟»
رغم أن الفرنسيين هم الذين اخترعوا التصوير السينمائي وبنوا أول دور عرض، ولكنها الثقافة، تضاف إليها الفلسفة والمنطق، وهذا ما ميزهم عن غيرهم من الذين يعشقون الإشاعة، ويتبعون من يكذب عليهم حتى لو أخذهم إلى الهلاك، إنهم اصحاب الذوق الرفيع.
طوينا صفحة الانتخابات الفرنسية، وعدنا إلى لوحة المربعات السورية، فهذا البلد الأبي الشامخ أصبح مرتعاً تقتات من دماء أبنائه قطعان من الضواري الجائعة، في «أستانة» ترسم اللوحة بألوان جديدة، ويخرج المجتمعون بإعلان عالمي عن «مناطق آمنة» لحماية السوريين، وتعلن نفس الأطراف وهي المتقاتلة.
خاصة إيران وروسيا، أنها ستكون الضامنة لتنفيذ ذلك الاتفاق، وقبل أن يجف حبر ما وقعوا عليه بدأت لعبة جانبية تغير في اسم الاتفاق ومناطقه، والروس لهم باع طويل في تفسير الكلام وتأويله، فإذا بالمناطق الآمنة تصبح «مناطق تخفيف العنف»، وقال الإيراني إنها «مناطق تخفيف التوتر»، أما التركي فقد اسماها «المناطق الخالية من الاشتباكات»، وابتعد الأمان كثيرا.
وقد أعجبني أحد السوريين عندما سئل عن الاتفاق، حين قال «يعني روسيا بدل ما تقصفنا بمائة صاروخ في اليوم ستقلل عدد صواريخها إلى أربعين؟»، وإيران الضامنة وهى القاتلة مع ميليشياتها المذهبية، كيف يعقل أن تحمى المناطق التي تحاصرها؟ ستخفف من عنف عناصرها، وتتركهم يهدمون عشر بيوت في اليوم بدلاً من عشرين بيتاً؟
لا يؤتمن الذئب، ولا تلدغ الأفعى دون سم، ولا يقلم النسر مخالبه قبل أن يهجم على طريدته، وإيران وروسيا وتركيا لن تكون ضامنة للمناطق المنتقاة في سوريا، ولن تكون إدلب أو بعض حمص وشيء من ريف دمشق وحماة والجنوب السوري آمنة.
الضامن يجب أن تكون يده غير ملوثة بدماء السوريين.