الأخبار

التويجري:تعزيز قيم الحوار وقواعد الوئام والتعايش أساس الرخاء والسلام

أكد الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة – إيسيسكو-، إن العلاقة بين الحوار والأمن والسلام والتنمية الشاملة المستدامة، باتت اليوم حقيقة مؤكدة أكثر من أي وقت مضى، إذ لا رخاء في الحياة الإنسانية، ولا نماء للعلاقات الدولية، ولا سلام شاملاً يعيش البشر في أجوائه في أمن واستقرار، ما لم تتـعـزّز قيـمُ الحوار، وتترسّـخ قواعد الوئام والتفاهم، ويعـمّ التعايش والتسامح بين الأمم والشعوب.

جاء ذلك خلال مشاركته في المنتدى العالمي للحوار بين الثقافات، الذي افتتح دورته الرابعة اليوم في باكو عاصمة آذربيجان، ويستغرق يومين.

وألقى المدير العام للإيسيسكو كلمة أمام المؤتمر، بحضور السيد إلهام علييف رئيس جمهورية آذربيجان، وبعض رؤساء الدول وشخصيات عالمية، حول موضوع (تعزيز الحوار بين الثقافات : المسارات الجديدة للأمن الإنساني والسلام والتنمية المستدامة).

وأضاف أن الحوار بين الثقافات إذا كان درجات، يبدأ من الفهم والتفاهم، ويمـرّ بالتعارف والتقـارب، ليصل إلى التسامح والوئام، فإنه ينتهي إلى التعـاون الذي هو المسار الطبيعي للسلام العالمي الذي يزدهر في ظـلـه الأمنُ الإنسانيُّ وتتحقق التنمية الشاملة المستدامة في جميع المجالات للأجيال الحالية والمقبلة.

وأكد أن الحوار بين الثقافات الذي يترتَّب عليه التحالف بين الحضارات، هو الذي يجعلنا (نأخذ أنفسنا بالتسامح، وأن نعيش معاً في سلام وحسن جوار، وأن نضمّ قوانا كي نحتفظ بالسلم والأمن الدولي)، إعمالاً لديباجة ميثاق الأمم المتحدة، وأن بالحوار بين الثقافات الذي يؤدّي إلى التقارب بين الثقافات نكون، كما تقول الفقرة الأولى من الميثاق الأممي (قد آلينا على أنفسنا أن ننقـذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف).

وأشار إلى أن الحوار بين الثقافات يأتي في مقدمة المسارات الجديدة للأمن الإنساني، وللسلام، وللتنمية، بسبب من التـرابـط الوثيق بين الأمن الإنساني، الذي هو المفهومُ التطبيقيُّ للقانون الدولي الإنساني، وبين السلام الذي هو نقيضُ الحرب بكل أشكالها، والنتيجة المترتبة على الأمن الدولي، بصورة عامة.

وخلص إلى أن هناك علاقة متينة بين (الأمن الإنساني)، و(الأمن الدولي)، على الرغم من التباين بين المفردات في المفهومين، باعتبار أن المفهوم الأول هو الأمن المستتب، الأمن المستقر، الأمن العميق، والأمن الشامل، الذي يمتـدّ إلى جميع جوانب الحياة الإنسانية. ويدخل ضمن هذا المفهوم العام، الأمنُ السياسيُّ، والأمن الجنائي، والأمن الاقتصادي، والأمن الغذائي، والأمن البيئي، والأمن الثقافي، والأمن الصناعي، بينما المفهوم الثاني محدود الأفق، حتى وإن كان يعني انتهاء الحرب على وجه من الوجوه، فقد تضع الحربُ أوزارَها، وتستقر الأوضاع التي كانت مشتعلة، مضطربة، ويسري الأمن في المنطقة التي اندلعت فيها الحرب، ويكون ذلك أمناً إقليمياً، أو أمناً دولياً، ولكن يبقى الأمن الإنساني غائباً، أو هشاً، أو مهدداً ومحفوفاً بالمخاطر، بحيث لا تستقر الحياة الإنسانية، ولا تهدأ النفوس ولا تطمئن، ولا تزدهر الحضارة وتثـمر، ولا تُـنـبت الأرضُ زهورَ الأمل، وتبقى السماء ملبـدة بسحب دكناء من اليأس والشك والخوف وعدم اليقين.

ولفت إلى أن من هنا جاء التمييز بين السلام وبين الأمن الإنساني، وإنْ وجب الربط بينهما وإلحاقُهما بالتنمية، على اعتبار أن التنمية الشاملة المستدامة، هي في الواقع منظومةٌ من أنماط التنمية، تجمع بين التنمية الاقتصادية، والتنمية الاجتماعية، والتنمية الإدارية، والتنمية السياسية، والتنمية الثقافية. والقاعدة العريضة لهذه المنظومة بجميع عناصرها، هي ما نـعـبّـر عنه بـ (التنمية الأمنية). ويُـراد بها نمـاء الأمن وتعميمَـه ودوامَـه.

وأوضح أن هذه المسارات الجديدة للأمن الإنساني، وللسلام، وللتنمية، تمـرّ عبر تعزيز الحوار بين الثقافات وتـدور حول فلكـه، فلا أمن إنسانياً بدون حوار متعدد المجالات، ابتداءً من الحوار الثقافي، ومروراً بالحوار الحضاري، وانتهاءً بالحوار السياسي، ولا سلام شاملاً عادلاً ما لم يُبـنَ على قواعدَ راسخةٍ يكون الحوار بين الأطراف المتصارعة سبيلاً إلى المصالحة القائمة على أساس من العدل وإرجاع الحقوق المغتصبة إلى أصحابها.

وأبرز أن السلام هو ثمرة الحوار والتفاعل والتقارب بين الثقافات، وأن بناء السلام هو المسؤولية الإنسانية المشتركة، لأن العالم اليوم يعيش أزمة حضارية شديدةَ الوطأة على المجتمع الدولي الذي يقف حائراً أمام التحولات الخطيرة التي تترتب عليها، والتي تنذر بعواقب خطيرة.

وقال بهذا الخصوص : « لم يسبق للعالم أن دخل منطقة عدم اليقين كما هو الوضع اليوم منذ فترة الحرب العالمية الثانية، نظراً إلى هذا الكم من التهديدات الخطيرة المتصاعدة للأمن وللسلم الدوليين، من جراء تَـفَاقُـم المخاطر الأمنية والسياسية والثقافية، التي تشكل جميعُها تحدياتٍ بالغة الخطورة للإنسانية جمعاء، جعلتها تقف في مفترق الطرق، وتتطلع نحو آفاق ليست واضحة المعالم، لأنها مغلفة بسحب متراكمة من التوترات الاجتماعية، والصراعات السياسية، والنزاعات المسلحة التي تحجب الرؤية السليمة إلى الغـد، وتخلق حالةً من القلق الوجودي الذي يُـفـقد الإنسانَ الشعورَ بالأمان والاطمئنان، ويعكر الأجواء الدولية بالتلوث الفكري والارتباك النفسي اللذين يشجعان على التطرف المادي والمعنوي الذي لا تُـؤمن عواقبُـه».

وأكد الدكتور عبد العزيز التويجري أن معالجة هذه المشكلات الدولية المعقدة التي تواجه الإنسانية اليوم، لن تكون ذات فعالية ومردودية ولها التأثيرُ القويُّ في بناء السلام العالمي، إلا إذا جرت في إطار الحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات، بالمدلول العميق الشامل للحوار وللتحالف، وفي نطاق ميثاق الأمم المتحدة، وبدافع من روح القوانين الدولية، ومن منطلق الوفاء بالمسؤولية الأخلاقيـة والقـانونية والسياسية التي ينهض بها صانعو القرار، وأن تـتـحمل أعباءها النخبُ الفكرية والأكاديمية والثـقافية، وتشارك في القيام بها جميع مكونات المجتمع، كل من موقعه ووفقاً لإمكاناته وقدراته، ضمن حراك إنساني واسع النطاق، ينخرط فيه هؤلاء جميعاً، لتسوية الأزمات العالمية التي تنعكس آثارها المدمرة على الإنسانية في أوضاعها السياسية، وأحوالها الاقتصادية، ومناخاتها الثقافية والدينية، فتصفو الأجواء المكدرة، وتتبدد السحب الداكنة التي تحول دون مواصلة السير في الاتجاه السليم الذي يخدم أهداف السلام والأمن الإنساني والتنمية الشاملة المستدامة في جميع ربوع العالم.

وأضاف إن العالم يتطلع اليوم، في ظل هذه الأزمات التي تَـتَـزَايَـدُ حدتُـها باستمرار، إلى مبادرات جريئة وشجاعة من الحكماء ذوي العقول النيّـرة الحرّة، الذين يمثلون الضميرَ الإنسانيَّ الحيّ، تدفع المجتمع الدولي في اتجاه فـضّ النزاعات، وتسوية الأزمات، ومعالجة المشكلات الكبرى بالعدل والإنصاف، وذلك لإعادة الثقة في قدرة الإنسان على أن يجدّد حاضرَه، ويبني مستقبله، ويصنع السلام في الأرض.

وأعرب عن أمله أن يخرج المنتدى العالمي للحوار بين الثقافات، بنـداء إلى المجتمع الدولي، يدعوه فيه إلى تعزيز قيم الحوار والتقارب بين الثقافات، ترسيخاً للسلام العالمي، ودعماً للأمن الإنساني، وتشاركاً في تحقيق التنمية للمجتمعات الإنسانية كافة.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى