سألت منذ أيام عدداً من السياسيين وبعض المثقفين عن مجريات الانتخابات الفرنسية الأخيرة، ولا أخفي أن الجواب كان صادماً، فقد قال أغلبهم إنهم لم يتابعوها، وأضاف آخرون إنها لا تعنيهم من قريب أو بعيد. وذلك على العكس تماماً مما يحدث مع الانتخابات الأمريكية التي تحظى باهتمام الجميع، وكأنها انتخابات وطنية محلية. ولهذا الموقف دلالة واحدة مضمونها أن بعض السياسيين وبعض المثقفين العرب لا يزالون «مضبوعين» بالدولة العظمى، وأنهم يرون أنه لا يزال بيدها مفاتيح حلول المشكلات، ولا غنى عن دورها في استقامة التوازن الدولي.
وإن كانت حقائق الواقع في عالم اليوم وفي عالم الأمس القريب تتنافى مع هذا التصور «المضبوع»، ولن نشير إلى القضية الفلسطينية، قضيتنا جميعاً، وموقف هذه الدولة الكبرى مما حدث لها ويحدث، ولكننا سنكتفي بالإشارة إلى قضيتين ساخنتين ملتهبتين منذ ثلاثين عاماً على الأقل، وهما قضية العراق وقضية أفغانستان، حيث لا تزال الدماء تنزف هنا وهناك، وحاملة مفاتيح الحلول الكونية لم تصنع شيئاً يذكر سوى إشعال النار وإطالة التفرج.
إن علاقة العرب بشعوب العالم صغيرها وكبيرها، ينبغي أن تكون على ما يرام خدمة للمصالح الوطنية والقومية، وأن تكون مع فرنسا بصرف النظر عن ماضيها الاستعماري، على ما يرام أيضاً لمجموعة من الأسباب، منها قربها الجغرافي من الأرض العربية، ووجود أكبر جالية عربية على أرضها، إضافة إلى عضويتها الدائمة في مجلس الأمن، وتمتّع مواطنيها بقدر من الحرية لا مثيل له في الدول الأوروبية الأخرى ولا في الولايات المتحدة راعية الحريات وداعية حقوق الإنسان.
وكان على الساسة العرب ومثقفيهم أن يتنبهوا إلى الجدل المثير الذي دار، تمهيداً للجولة الأخيرة يوم الأحد المقبل، ثم ما رافق الانتخابات نفسها من صراع اليمين واستماتته في الاستيلاء على السلطة عن طريق الاقتراع وتحويل بلد الثورة الفرنسية، ثورة العدالة والحرية والمساواة إلى جزيرة للتعصب والعنصرية العرقية، وفرض نظام فاشي يقوم على التمييز والاستغناء عن المهاجرين، حتى أولئك الذين أصبحوا فرنسيين بحكم الميلاد والاندماج والتعايش مع أبناء البلد الأصليين.
أننا نشكو دائماً من تحيز بعض الأنظمة السياسية في العالم إلى أعدائنا وتجاهلها لقضايانا، ولا نتذكر أننا من يصنع ذلك التحيز ويمكِّن له من البقاء بجهلنا الفاضح بشعوب تلك الأنظمة ومعرفة توجهات أبنائها وأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، وشأن كل مجتمع أو أمّة فقدت تواصلها مع الآخر، عليها أن تتحمّل نتائج مواقفه منها ومن قضاياها ومشروعاتها، إن كانت لها مشروعات.
وكم هو محزن أن يتخلّى العرب عن علاقاتهم التي كانت متينة وعميقة بجيرانهم في الدول الإفريقية، وأن يكونوا على معرفة بالدور الذي يلعبه الكيان الصهيوني في هذه الدول التي كانت إلى وقت قريب مغلقة في وجه ألاعيبه، وكان الدور الأوضح والبارز فيها لبعض الأقطار العربية، وفي عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، خاصة الذي حدّد دور مصر في دوائر ثلاث: عربية، إسلامية، إفريقية، وكان على خلفائه وبقية القادة العرب أن يلتزموا هذا النهج، ولا يتجاهلوا الدائرة الإنسانية التي كان لها في عهد عبد الناصر أولويات تمليها مصلحة الأمة واختياراتها.
نقلا عن صجيفة الخليج