نون والقلم

المسلمون والغرب

عندما قال رفاعة الطهطاوي في القرن التاسع عشر، إنه رأى في فرنسا والغرب عموماً إسلاماً ولم ير مسلمين إنما كان يريد القول، إن القيم الإسلامية من نظافة ومساواة وتنظيم واحترام للقوانين ومساءلة وشفافية موجودة على أرض الواقع الأوروبي، لكن من يقومون بها وينظمونها ويمارسونها ليسوا مسلمين بل مسيحيون.

عاد الطهطاوي إلى مصر كئيباً ومحبطاً، ولكنه وجّه رسالة قوية لا يزال صداها يتردد في أسماع الأجيال اللاحقة وسيبقى كذلك ما دامت معالجة الشكوى لم تتحقق.

لم يتحقق للعالم العربي والإسلامي لأن يجيب بموضوعية عن السؤال الدائم الذي يكاد يصبح أسطورة حول لماذا تقدم الغرب وتخلف العرب؟.

قرنان تقريباً منذ بدء محاولات تلمس التغيير في المجتمعات العربية والإسلامية مرّا، منذ محمد علي باشا وحتى اليوم. ورغم نيل كل الدول العربية ما عدا فلسطين استقلالها، فإن مأزق عدم القدرة على إحداث خرق في جدار التخلف السميك لا يزال قائماً.

يذهب المسلمون في الدول العربية والإسلامية إلى بلاد الغرب و«الكفار»، كما كان يطلق عليهم في المرحلة العثمانية، بحثاً أولاً عن العمل وثانياً عن العيش في مناخ من الحريات والمساواة وطلباً للتعلم واكتساب المهارات العلمية. وفي غضون سنوات قليلة جداً يمنح هذا المهاجر جنسية البلد الذي يقصده ليعتبر ذلك هبة من الله لتحرره من العيش في الظلم والاستغلال فضلاً عن السجن وربما القتل والموت في بلاده الأصلية.

في مقابل ذلك، فإن أحداً لا يهتم به في بلاده ولا يمنحه فرصة الترقي في المناصب وفقاً لكفاءته ولا إمكانية أن يأخذ فرصته في تعميق البحث العلمي. أما أبواب التغيير الديمقراطي فمسدودة أمامه فلا يكون أمامه سوى مغادرة البلاد إلى حيث تأخذه الأقدار.

تملأ الفوضى العالم العربي والإسلامي وتنوء المجتمعات المسلمة تحت ثقل الأمراض الصحية والنفسية والاجتماعية والثقافية.

يجد الفرد في العالم الإسلامي نفسه محاصراً بتمييزات على كل المستويات. يُمنع من تسلم موقع ربما لأنه من طائفة أو عرق أو دين آخر. ويمنع من رفع سقف تطلعاته لأنه لا ينتمي إلى الحاشية القريبة من السلطة.

وإذا أراد أن يعيش حرية علمية متقدمة حالت ميزانيات الدولة المنخفضة دون أن تفتح مراكز البحث العلمي.

ولا يحظى هذا الفرد في بلدان العالم الإسلامي إلا باليسير من متطلباته وحاجاته البديهية من ماء وكهرباء وطبابة وإسكان. أما الحريات الأساسية والعامة فعلى هذا الفرد أن يحذفها من قاموس المصطلحات «المستوردة» و«الغريبة».

يذهب الفرد العربي والمسلم إلى أوروبا والغرب بحثاً عن نقيض كل هذا. فيجد أولاً تقبلاً من الدولة وتفهماً من المجتمع. ويجد عناية تحفزه على التحصيل العلمي. ويجد الفرصة أمامه قائمة للمنافسة العادلة مع أبناء البلاد الأصليين أنفسهم. وربما يصل إلى أعلى المواقع السياسية. وفي مثالي نيكولا ساركوزي وباراك أوباما ترجمة فعلية لما نقول. الأول مهاجر من بولندا وصل إلى رأس الجمهورية الفرنسية والثاني قادم زنجي بل ومسلم الأصل أيضاً يرتقي إلى رأس الدولة العظمى الأولى في العالم أي الولايات المتحدة الأمريكية. كذلك في وصول مسلم إلى عمدة لندن مثال آخر.

ما شهدته الساحة الغربية منذ فترة من فوبيا معادية للمسلمين تتناقض مع ما يعرفه الغرب من فتح أبوابه لكل الوافدين إليه.

الغرب يتحمل جزءاً من مسؤولية الأزمات في العالم الإسلامي. وهو قادر على عمل أشياء جدية. لكن هذا يجب ألا يعمينا عن رؤية القضايا من جوانبها المختلفة وهي أن أصل المشكلات موجود عندنا قبل أن نفتش عنها في مكان آخر.

مشكلتنا هي، كما يقول أحد المفكرين العرب، مثل المياه الجوفية: موجودة ولا تُرى ولكنها لا تحتاج إلا إلى بعض الحفر لتنفجر المياه غزيرة.

أما إذا كانت المشكلة موجودة ومرئية ويراها الجميع ولكنهم لا يعملون لحلها فهنا جوهر المأزق والمشكلة الذي لا أمل منه يرجى ولا خيراً يُرى.

 

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى