امتنع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن الإجابة عن سؤال وكالة رويترز عمّ إذا كان ينوي الاعتراف بالقدس بشطريها الشرقي والغربي عاصمةً لإسرائيل، في الوقت الذي كانت فيه صحيفة يديعوت أحرونوت النافذة في إسرائيل، تنقل تقارير عن مصادر «موثوقة» تكشف فيها عن نية الرئيس ترامب، الإعلان عن اعترافه بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، عندما يقوم بأول زيارة له للمنطقة كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية الشهر المقبل، تشمل أساساً القدس وسيعرج في خلالها على رام الله، أقله وفقاً للتسريبات الإعلامية المتوافرة حتى الآن.
إن صحت تسريبات يديعوت أحرونوت، فلا جدوى ولا قيمة لا لقاء عباس – ترامب في البيت الأبيض الأربعاء المقبل، ولا حاجة لانتظار جولته المقبلة … موقف كهذا، لن يبقي بصيص أمل في إمكانية استئناف عملية سياسية ذات مغزى، بل وسيغلق الباب أمام فرصة مستقبلية لإنجاز تسوية من أي نوع، بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
لكننا لا نستبعد حتى اللحظة أن يكون الأمر مختلقاً من مصادر إسرائيلية، أو أمريكية صديقة لتل أبيب، بهدف إحراج الرجل وتذكيره بوعوده الانتخابية ومحاولة إلزامه بها، أو ربما التعطيل على أي مبادرة لتحريك المسار الفلسطيني – الإسرائيلي المعطل منذ ثلاثة أعوام … كما أننا لا نستبعد أن تكون تسريبات الصحيفة الإسرائيلية، مجزوءة تماماً، كأن يكون هناك «شق ثانٍ» في الموقف الأمريكي المستجد، من نوع «اعتبار القدس عاصمة موحدة للدولتين مثلاً»، أو أن يعود الرجل إلى ما ألمح إليه في مقابلته مع نتنياهو في البيت الأبيض في شباط/ فبراير الماضي، عن «حل الدولة الواحدة».
كل ما نسمعه من تخمينات وتكهنات، يبدو ممكناً ومحتملاً في ظل إدارة «تائهة» كما يقول البعض، أو تتعمد «الغموض غير البناء» كما يقول البعض الآخر، في تلميح إلى شغف الرئيس ترامب بالمفاجآت، ورغبته الدائمة في إبقاء أوراقه قريبة من صدره.
لا أنفي أنني أكاد لا أصدق ما قرأت عن اعتراف أمريكي محتمل بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل فقط، فالأمر أكبر من أن يحتمله التصور والتحليل، اللهم إلا إذا بلغ «الجنون» بهذه الإدارة حد الضرب عرض الحائط بكل المصالح والمشاعر والمعتقدات الفلسطينية والعربية والإسلامية والمسيحية والدولية في المدينة ذات المكانة الخاصة والفريدة … أو أن يكون سيد البيض الأبيض، لمس قدراً من التهافت في المواقف العربية، دفعه للاعتقاد بانه قادر على قول ما يشاء وفعل ما يشاء، من دون خشية أو تحسب لأي ردود أفعال عربية من أي نوع … كلا الأمرين جائز، من الناحية الافتراضية على أقل تقدير، وقبل أن تتكشف حقائق المقاربة الأمريكية الجديدة من المسألة الفلسطينية.
والحقيقة أننا مررنا باختبار قبل أسابيع لمعرفة مكانة القدس في سلم الأولويات العربية، عندما أعلنت موسكو، صديقة كثيرين من العرب والفلسطينيين، اعترافها من جانب واحد، بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل … صحيح أن الأمر مختلف تماماً، في ظل غياب المطالبة الفلسطينية والعربية بذاك الشطر من المدينة، وإصراره على أن القدس الشرقية، دون سواها هي عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة، لكن هذا التطور السلبي في الموقف الروسي، والذي عُد خطوة باتجاه مزيد من التقارب مع إسرائيل، كان يستوجب ردود أفعال عربية، وإن من باب الاستفسار والتحفظ والدعوة للتريث أو غير ذلك، لكن رام الله والعواصم العربية لاذت بصمت القبور.
والمثير للقلق أنه في الوقت الذي يقترب فيه موضوع القدس من الحسم، وغالباً في غير المصلحة الفلسطينية – العربية، فإن تقارير أخرى، مصادرها إسرائيل والغرب، ما زالت تترى عن تقدم ملحوظ في العلاقات العربية – الإسرائيلية، وعن «ناتو» شرق أوسطي، يضم إسرائيل ويضع إيران في خانة العدو رقم واحد لأعداء الأمس، بوصفها دولة تدخلية وراعية للإرهاب ومسلحة بالأنياب والمخالب النووية والصاروخية.
كنّا نظن أن واشنطن ستعمل على إرغام إسرائيل على تقديم «تنازلات» عن احتلالها الممتد لخمسين عاماً للضفة والقدس والقطاع، نظير قيام «جبهة مشتركة عربية إسرائيلية»، لكن «التسريبات» التي بحوزتنا حتى الآن، تثير الخشية من أن يكون قيام هذه الجبهة مجانياً، من دون ثمن، ومؤسساً على وجهة النظر الإسرائيلية، التي تتطلع لقيام هذا الحلف، ولكن من دون أن يطلب إليها الوفاء بأي من التزاماتها بموجب مرجعيات عملية السلام وخريطة الطريق وقرارات الشرعية الدولية.
لا شيء من هذه المعلومات يمكن تأكيده أو نفيه حنى اللحظة، ونأمل كما لم نفعل في أي وقت مضى، أن تكون تكهناتنا المتشائمة بلا أساس، وخاطئة مئة في المائة، لكن المكتوب يقرأ من عنوانه، وعنوان جولة ترامب المقبلة، خَطّته يديعوت أحرونوت، من دون أن تتمكن رويترز من نفيه أو تأكيده.