«السياسة، هي المقدرة على شرح الشيء نفسه للشعب بأساليب مختلفة حسب وضعه، وجعله يقتنع في كل مرة» مقولة تشبه مقولة «السياسة فن الكذب»، وقول غوبلز وزير إعلام هتلر «اكذب اكذب حتى يصدقك الناس»، وهي ليست بعيدة عن مبدأ ميكيافيللي «الغاية تبرر الوسيلة»..
ولا طبعاً بالكاذب الأكبر في الزمن الحالي، بنيامين نتنياهو، الذي يروج أينما ذهب أن الفلسطينيين هم الإرهابيون المحتلون، وأن الإسرائيليين هم المساكين المظلومون المحتلة بلادهم! وهي نفس كذبة آباء الصهيونية «أرض بلا شعب»، التي كذبوها على العالم، وظلوا يرددونها حتى صدقها ومنحهم آرثر بلفور على أساسها وعده المشؤوم بوطن قومي لليهود في فلسطين.
لم تزل «بريطانيا العظمى»، مصرة حتى اليوم على التمسك بالكذبة، وترفض الاعتذار للشعب الفلسطيني عما لحق به من قتل ومذابح وتهجير واقتلاع، في الذكرى المئوية لوعد السيد بلفور.
للمقولة الأولى قصة تُروى، حصل أحد اليهود الروس على تصريح المغادرة إلى «إسرائيل».. أثناء تفتيش حقائبه في مطار موسكو، عثر مفتش الجمارك على تمثال للينين بين الثياب، سأله المفتش: ما هذا؟ يرد عليه اليهودي قائلاً: صيغة سؤالك خطأ أيها الرفيق. كان يجب عليك أن تسأل من هذا؟
ويتابع: «هذا لينين..الذي أرسى دعائم الاشتراكية، وجلب الخير للشعب الروسي، وأنا من جهتي تخليداً لهذه الذكرى المباركة، أصطحبه معي للبركة»، تأثر الموظف الروسي، وقال له حسناً، تفضل بالمرور.
في إسرائيل يرى موظف التفتيش بمطار تل أبيب التمثال ويسأل: ما هذا؟ يجيب اليهودي قائلاً: «سؤالك خطأ يا سيدي. كان يجب عليك أن تسأل من هذا؟ هذا لينين، المجرم المجنون الذي تركتُ بسببه روسيا، أصطحبه معي، لأنظر في وجهه كل يوم وأكيل له اللعنات في كل وقت». تأثر المسؤول «الإسرائيلي» .
وقال: حسناً، تفضل بالمرور. يذهب اليهودي ويضع التمثال في زاوية بارزة في الغرفة، وبمناسبة وصوله إلى «أرض الوطن»، يدعو أقرباءه لزيارته. أحد أبناء أخيه يسأله: من هذا؟ يرد عليه اليهودي قائلاً: يا صغيري سؤالك هذا خطأ. كان يجب عليك أن تسأل ما هذا؟ هذا 10 كيلو من الذهب عيار 24، أدخلته من دون جمارك أو ضرائب.
تلك هي طبيعة الشخصية اليهودية عبر التاريخ، لكن التحايل على الحقائق شكل من أشكال الكذب، والراقص على الحبال إما أن يتعب ويقع أو تتقطع الحبال و.. أيضاً يقع. وهذا هو مآل المشروع الصهيوني في فلسطين. وقد تصاعد تيار إسرائيلي مؤخراً، يحذر من انهيار المشروع برمته، بفعل تيار التطرف الذي يقوده نتنياهو والحاخامات.
يقول ديمتري تشومسكي في مقال له في «هآرتس» 16/4/2017 بعنوان «بين دولة التنويلند ودولة إسرائيل»:
لم يكن هرتسل، ولا حتى بن غوريون، مصممين على شكل واحد ووحيد لتقرير المصير اليهودي، ولم يستبعدا في لحظة ما حكماً ذاتياً أقل من دولة ضمن إطار أكبر. فذاك المبدأ المتعلق بالصلة اليقظة والعميقة للواقع السياسي والدولي، الذي بفضل التمسك به حققت الصهيونية أهدافها السياسية.
ويعتقد البروفيسور شلومو أفينري أنه يتضح من «التنويلند» – الرواية الخيالية ذات الرسالة السياسية التي نشرها ثيودور هرتسل في عام 1902، أن «بلاد إسرائيل» التي تخيلها هرتسل ليست مجرد «محافظة أخرى في الإمبراطورية العثمانية».
ولكن مراجعة دقيقة للكتاب الذي بسط فيه مؤسس الصهيونية السياسية رؤياه عن صورة إسرائيل، بعد تحقيق تقرير المصير اليهودي فيها، تبين أن العكس هو الصحيح. ففي ثلاثة مواقع على الأقل في الرواية، يتبين بشكل واضح جداً، أن تعريف «التنويلند» كجزء من حكم ذاتي في الإمبراطورية العثمانية، يتطابق بالتأكيد مع فكرة هرتسل بالنسبة للمستقبل السياسي لإسرائيل.
في أحد المواقع، الذي يروي فيه المؤسس و«المدير العام» لـ «التنويلند» يوسف (جو) ليفي، قصة إقامة وتثبيت الاستيطان الصهيوني واسع النطاق، يشير فيقول: «تلقينا الحق بإدارة المناطق المخصصة للاستيطان، ولكن سيادة جلالة السلطان التركي باقٍ فيها».
ويتوصل ديمتري تشومسكي إلى أن القيادات القومية المتطرفة لدولة إسرائيل اليوم، يركلون، لأول مرة في تاريخ الصهيونية، وبغرور إجرامي، ذاك المبدأ المتعلق بالصلة اليقظة والعميقة للواقع السياسي والدولي، الذي بفضل التمسك به، حققت الصهيونية أهدافها السياسية.
وبدلاً من ذلك، فإنهم يتمسكون بشكل دوغماتي ومتزمت، بفكر جامد لتقرير المصير اليهودي، الذي يرفض الحقوق القومية للفلسطينيين، ويتعارض جوهرياً مع المبدأ الكوني لحق تقرير المصير القومي. وهكذا، وهنا محق البروفيسور أفينري، فإنهم يعرضون للخطر بشكل جسيم، الأساس الوجودي للمشروع الصهيوني.