من المقرر أن يلتقي في الثالث من مايو ـ أيار المقبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس للبحث في «صفقة ترامب» و«عملية السلام» في المنطقة. وكان عزام الأحمد، عضو اللجنة المركزية لحركة (فتح)، قد صرح بأن عباس سيحمل معه «ملفات سياسية واقتصادية حيوية»، مكرراً الكلام عن «حل الدولتين» ووقف الاستيطان وإنهاء الاحتلال، ومشيراً إلى «اهتمام» الإدارة الأمريكية الجديدة بموضوع الصراع العربي – «الإسرائيلي».
عشية اللقاء المرتقب، وأثناء وجودها في زيارة لواشنطن، تحدثت د. حنان عشراوي في مقابلة أجرتها معها صحيفة لبنانية حول زيارة عباس والمتوقع منها، فقالت: «إن إدارة الرئيس دونالد ترامب ليس لديها أي طرح جدي للقضية الفلسطينية». وأضافت: «إن الزيارات التي قام بها مسؤولون أمريكيون للمنطقة كانت استكشافية، وهم يتحدثون عن مسكنات، ودون أن يتناولوا صلب القضية أو يدركوا ضرورة التحرك السريع لإنهاء الاحتلال»!
والحقيقة أن ما قالته عشراوي لا يساعد على فهم موقف إدارة ترامب من القضية الفلسطينية، بل يساعد على تعويمها وطمس «أجندتها الإسرائيلية». ففي الوقت الذي أخذت فيه إدارة ترامب موقفاً منحازاً مؤيداً للخطوات التوسعية الاستيطانية، رأينا عشراوي تغطي هذا الموقف بعبارة «خفض سقف الاستيطان»! لكن زيارات المسؤولين الأمريكيين للمنطقة لم تكن «استكشافية»، كما قالت عشراوي، بل كانت «تنسيقية» مع نتنياهو وحكومته ومستوطنيه، ما فضح حقيقة موقف إدارة ترامب من القضية الفلسطينية.
ففي الزيارة التي قام بها جورج بابودوبولوس، مستشار الرئيس الأمريكي، إلى «تل أبيب» مؤخراً، قال بالحرف الواحد: إن إدارة ترامب «تسعى إلى إقامة علاقات جديدة مع يهودا والسامرة»! وهذه أول مرة يستعمل فيها مسؤول أمريكي رفيع هذا التعبير وهو التسمية التي يطلقها نتنياهو ونفتالي بينيت على الضفة الغربية! ومن أجل تأكيد هذا المنحى، كرر مستشار ترامب هذا التعبير أثناء لقاء له مع رئيس «مجلس المستوطنات- يشع» يوسي داجان، حيث قال: «إننا نتطلع إلى التحول في علاقات جديدة مع كل «إسرائيل» بما فيها يهودا والسامرة التاريخية» ! في ضوء ذلك، ماذا يعني «خفض سقف الاستيطان» عند ترامب ؟!
بدوره، عندما التقى مبعوث ترامب إلى المنطقة، جيسون جرينبلات، وبعد اجتماع له مع الرئيس محمود عباس، وضع جملة من الشروط تجعل العودة إلى المفاوضات ممكنة، وهي شروط «إسرائيلية» طالما تحدث عنها نتنياهو، وآخرها كان قبل أيام بعد إعلان الأسرى إضرابهم المفتوح عن الطعام، ومنها: «وقف العنف، ووقف التحريض، ووقف دعم أسر الشهداء والمعتقلين من خلال وقف الرواتب التي تدفع لهم من الصندوق القومي الفلسطيني»!
وفي الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس ل«تل أبيب»، وبعد لقاء ضمه مع رئيس الحكومة نتنياهو، صرح قائلا: «إن «إسرائيل» حليفتنا وصديقتنا القديمة في المنطقة، والخطران اللذان تواجههما (التطرف الإسلامي الشيعي بقيادة إيران، والتطرف الإسلامي السني بقيادة داعش) هما الخطران اللذان جئت لبحثهما مع الحكومة»! ولم يتطرق ماتيس للصراع العربي- «الإسرائيلي» أو القضية الفلسطينية!
إن ترامب مثله مثل كل رجال الأعمال، يفضل الكلام المرسل ما دام للاستهلاك، لكنه عندما يجلس على الطاولة يجهد أن تتم «الصفقة» وفقاً لشروطه قدر الإمكان. وفي حديثه عن «السلام وإحلال السلام» يضع قائمة الشروط «الإسرائيلية» ويمارس كل قوته للضغط على الفلسطينيين لتتم الصفقة وفقاً للشروط «الإسرائيلية»- الأمريكية وعلى حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية. وفي الوقت الذي يلتقي ترامب الرئيس الفلسطيني، يعرف جيداً مدى تهافت الوضع الفلسطيني بسبب سياسات السلطة الفلسطينية ورئيسها، وبسبب (الانقسام) الذي تعانيه الساحة الفلسطينية نتيجة للتنافس العبثي بين حركتي (فتح وحماس) على فتات السلطة الوهمية. لذلك لا يقع في الخطأ من ينظر إلى هذا اللقاء بوصفه محطة لممارسة الضغط والابتزاز على عباس، وليس لمناقشة أو حتى لقراءة «ملفاته الحيوية» التي قيل إنه سيحملها معه!
من جهة أخرى، يذهب عباس إلى البيت الأبيض في وقت يتواصل فيه إضراب الحركة الأسيرة المفتوح عن الطعام، وتتواصل فيه المواجهات مع قوات الاحتلال، وأيضاً تتواصل فعاليات الشعب الفلسطيني في أماكن تواجده دعماً للأسرى، وهو ما يسلحه بقوة لا توفرها له مواقفه وسياساته. ومنطقياً، يفترض أن يستفيد منها في لقائه مع ترامب إن أراد أن يفاوضه، كما يفترض أن توضع قضية الأسرى كمقدمة لاستئناف المفاوضات، وهو ما لن يفكر فيه الرئيس عباس.
إن كل ما صدر عن إدارة ترامب حتى الآن، وكل ما ظهر من زيارات وتصريحات مبعوثيه ومستشاريه ووزرائه إلى المنطقة، يؤكد أن لا مصلحة للفلسطينيين في «صفقة ترامب»، لأنها ليست سوى «أجندة إسرائيلية»! –
77 3 دقائق