نون والقلم

رسالة خادم الحرمين

لم يكن هناك حديث فى الوطن العربى فى الأيام الماضية إلا التغييرات الواسعة التى استحدثها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز فى المناصب العليا بالمملكة العربية السعودية، ورغم التحليلات التى قيلت عن هذه التغييرات إلا أننى استوقفنى قرار واحد وهو إقالة وزير الخدمة المدنية واحالته للتحقيق، هذا القرار كان بالنسبة لمكافحى الفساد مفاجأة من العيار الثقيل خاصة انه لأول مرة فى الدول العربية يعلن سبب إقالة الوزير بمنتهى الوضوح وبدون كسوف أو خجل ضمن قرار الاقالة.

والوزير المقال لم يرتكب جريمة فساد مالى كبيرة ولكن كل جريمته استغلال النفوذ بانه ظلم شابًا كان أولى بمنصب داخل الوزارة، وقام بتعيين ابنه والأهم أن الشاب المظلوم عندما تقدم بشكوى لهيئة النزاهة ومكافحة الفساد السعودية وجد جدية واستقبله كبار المسئولين فى الهيئة وقدم ما لديه من وثائق تقول إن الوزير استغل منصبه فى تعيين ابنه فى الوزارة وبمرتب كبير نسبيًا ، وبعد التحقيق رفع رئيس الهيئة تقريرًا بالواقعة ووقائع أخرى حدثت فى بعض الهيئات إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان الذى لم يتوانَ عن اتخاذ قراره بإقالة الوزير وإحالته للتحقيق وقد يكون أول وزير سعودى فى تاريخ المملكة يقدم إلى القضاء.

وهذه الواقعة تحدث فى أغلب البلدان لكن يكتفى فقط بإقالة الوزير أو إجباره على تقديم الاستقالة ثم يذهب إلى بيته دون عقاب، ويتم كتمان الأمر ولكن أراد العاهل السعودى ان يرسل رسالة إلى شعبه أنه لن يغفر لأى شخص يرتكب جريمة فساد مهما كانت وان المملكة عازمة على مكافحة الفساد مهما كان منصب مرتكب هذه الجريمة.

والشيء المهم فى الواقعة هو هيئة النزاهة وهى الهيئة المشكلة وفق المادة السادسة من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ،فهذه الهيئة اثبتت انها هيئة مستقلة تستمد قوتها من القانون والملك نفسه وانها قادرة على مكافحة الفساد طالما تتعامل بجدية وبدون خوف مع كل ما يأتى إليها من شكاوى ومعلومات وهذه الواقعة تعيد الثقة إلى الشباب فى المملكة ان القيادة عازمة على تطبيق القانون على الجميع حتى اننى تذكرت واقعة القصاص من أمير قتل زميلًا له وكانت الأولى أيضا فى تاريخ المملكة.

ولو نظرنا إلى تقارير المنظمات الدولية المعنية بمكافحة الفساد فسنجد أن الأنظمة الملكية أقل فسادًا من الأنظمة الجمهورية وتم تفسير ذلك أن الملوك والأمراء حريصون على حماية أموالهم وممتلكاتهم وبالتالى حماية ممتلكات شعوبهم، أما الأنظمة الجمهورية فالحكام بعد أن يولوا المناصب يتحولون من موظفين لدى الشعب إلى أسياد ويتعاملون مع الأموال العامة ببذخ وسفر وزيارات وانتقالات وبدلات وتصعيد الشلل وكل من سانده فى الوصول إلى الكرسى للمناصب العليا فى الدولة والاعتماد على أهل الثقة فقط ، وبالتالى يتفاقم الفساد وينمو حتى يتوحش ويكون هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة فى هذا البلد.

فالرسالة التى قدمها الملك سلمان إلى شعبه تعدت حدود السعودية، ووصلت إلى كل شخص فى هذا العالم يريد محاربة الفساد ويريد أن تحدث فى بلاده تنمية حقيقية ، فاستقلال هيئات مكافحة الفساد شرط جوهرى وسلاح مهم فى الحرب عليه والتزام بالاتفاقيات الدولية الخاصة بمكافحته يجعل الدول تحصل على مساعدات فنية مهمة فى تدريب وتأهيل كوادر مكافحة الفساد.. فهل نستوعب نحن فى مصر رسالة خادم الحرمين؟

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى