نون والقلم

ماذا يعني تدويل قضية الأسرى الفلسطينيين؟

بدأ أكثر من 1500 أسير فلسطيني في سجون الاحتلال «الإسرائيلي» إضراباً مفتوحاً عن الطعام مطالبين بتحسين ظروف حياتهم. وقد سارعت مصلحة السجون «الإسرائيلية» إلى اتخاذ إجراءات عقابية شديدة، من بينها عزل بعضهم في سجن انفرادي، وتهديدهم بترحيلهم إلى سجن النقب الصحراوي.

ويعتبر هذا الإضراب الأوسع بعد إضراب مايو/أيار العام 2012 الذي شارك فيه نحو 2500 أسير فلسطيني. وتتمثل أهم مطالب الأسرى في تحسين اتصالهم بذويهم والسماح بالزيارات الدورية، وتقريب مدتها، وزيادة أوقاتها، وتوفير الخدمات الطبية، وإطلاق سراح المرضى وذوي الإعاقات وأصحاب الأمراض المستعصية، ومراعاة احتياجات الأسيرات، وإيصال الكتب للأسرى والسماح بالدراسة لمن يرغب، وغيرها.

ويعتبر يوم الأسير الفلسطيني 17 إبريل/نيسان من كل عام هو يوم تضامني ومناسبة لتجديد التضامن على المستوى الدولي، لاسيّما التذكير بمأساة الشعب العربي الفلسطيني ومعاناته من الاحتلال. وكان المجلس الوطني الفلسطيني قد أقرّه في العام 1974 ليكون يوماً للوفاء ولشحذ الهمم ودعم الحق في الحرية، وتكريم الأسرى على تضحياتهم.

وعلى الرغم من أن مئات الآلاف من الأسرى الذي مرّوا بالسجون «الإسرائيلية»، إلاّ أنّ قضية الأسرى بحاجة إلى معالجات قانونية كجزء من معركة لم تأخذ حقها في هذه الجبهة المهمة، ولا سيّما في الإطار الدولي والدبلوماسي، فـ«إسرائيل» التي اعتقلت خلال انتفاضة الأقصى العام 2000 (الانتفاضة الثانية) نحو 40 ألف معتقل يستمر الآلاف منهم إلى الآن في السجون موزعين على 27 معتقلاً، لا تتورع عن ارتكاب أقسى أنواع التعذيب والعقوبات بحقّهم. وتبرر ذلك بأنها تتعامل معهم باعتبارهم «مجرمين»، و«مخرّبين»، و«إرهابيين»، وبالتالي فهم يستحقون السجن والعقاب، خصوصاً وهم حسب مسوّغاتها «جناة» صدرت الأحكام القانونية بحقّهم، وهي ترفض اعتبارهم «أسرى حرب»، كما ترفض تصنيفهم «أسرى سياسيين»، وهدفها هو منع تدويل قضيتهم، وإضعاف دور التضامن معهم.

وثمّة فوارق بين المركز القانوني للأسير على المستوى الدولي، عمن قام بارتكاب جريمة، أو مارس عملاً إرهابياً، أو أي فعل من شأنه أن يؤدي إلى خرق القانون ويستحق عليه العقاب، ومثل هذا الاختلاف في تحديد المركز القانوني للأسير له تبعات قانونية وسياسية وعملانية خطرة للغاية، تبعاً للقانون الإنساني الدولي.

وعلى الدولة التي لديها أسرى حرب الامتثال إلى اتفاقيات جنيف الصادرة في 12 أغسطس/آب 1949 تتويجاً لتطور الفقه الدولي، التي جاءت بعد اتفاقيتي لاهاي لعام 1899، و1907 وغيرهما من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وقد تناولت اتفاقيتا جنيف الثالثة والرابعة، إضافة إلى البروتوكول الأول الملحق بها الخاص ب: «حماية ضحايا المنازعات المسلحة» الصادر عن المؤتمر الدبلوماسي في جنيف الممتد من العام 1974 ولغاية 1977، موضوع حقوق الأسرى، تلك التي تنتهكها «إسرائيل» جهاراً نهاراً.

وإذا كانت «إسرائيل» لم تنضمّ حتى الآن إلى اتفاقيات جنيف، إلاّ أنها ملزمة بتطبيق أحكامها، التي هي قواعد آمرة، وكما تسمّى باللاتينية Jus Cogens أي قواعد ملزمة وواجبة الأداء، ولا يمكن التذرّع بعدم التوقيع على الاتفاقيات الخاصة بالأسرى للتحلل من الالتزامات التي ترتبها، لا سيّما وهي تشكل محور القانون الإنساني الدولي.

وتزعم «إسرائيل» أن المعتقلين هم من المدنيين وهم غير مقاتلين، وبالتالي لا تنطبق عليهم شروط «أسرى الحرب…»، خصوصاً تلك التي تم تحديدها بالخضوع إلى قيادة عسكرية، وحمل السلاح بصورة علنية، ووجود شارة مميّزة، وارتداء ملابس عسكرية، ولكن هذا المنطق لا يصمد أمام المحاججة القانونية، فهؤلاء المختطفون والمعتقلون في غير سوح القتال إنما يخضعون لاتفاقية جنيف الرابعة، باعتبارهم مدنيين ويرفضون احتلال وطنهم، ويناضلون من أجل حريته واستقلاله طبقاً لمبدأ حق تقرير المصير ولقواعد القانون الدولي.

يضاف إلى ذلك، أن المعتقلين هم «أسرى» بموجب ما تمّ من اتفاقيات أوسلو العام 1993، حيث تمّ الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كسلطة إدارية وسياسية (كيان مستقل) على جزء من أراضي فلسطين، وأصبح سكان هذا الجزء غير خاضعين لسلطات الاحتلال، فكيف يتمّ اعتقالهم من جانب السلطات «الإسرائيلية» في هذه المناطق التي تعتبر تحت سيادة السلطة الفلسطينية؟

إن تحديد المركز القانوني مهم جداً لجهة مطالبة المجتمع الدولي لتحمّل مسؤولياته، لاسيّما وأن سلطات الاحتلال قامت باعتقال الأسرى في مواجهات عسكرية، أو مداهمات أمنية ليست بعيدة عن صفة الأعمال العسكرية التي تنطبق عليها اتفاقيات جنيف، كما أن تحديد المركز القانوني للأسير يمنع «إسرائيل» من نزع الصفة القانونية عن الأسرى الذين تحكمهم قواعد القانون الإنساني والدولي، وبشكل خاص اتفاقيات جنيف وملاحقها، وبالتالي ينبغي الاعتراف بحقوقهم، خصوصاً وهم يقومون ب«حق الدفاع الشرعي عن النفس» الذي تقرّه المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، كما يسعون للتخلص من الاحتلال وما يقومون به من أعمال مقاومة تعتبر مشروعة وتقرّها قواعد القانون الدولي المعاصر.

آن الأوان لإضاءة هذه القضية الملتبسة عن قصد من جانب «الإسرائيليين» على المستوى الدولي، لما لها من ارتباطات بالحقوق العادلة والمشروعة للشعب العربي الفلسطيني ككل، وحقوقه غير القابلة للتصرف.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى