لا يكفي القول بأن ملف القضية الفلسطينية تراجع مع ادارة ترامب .بل يبدو أن هناك ملفا بديلا جاءت به الادارة ودورا جديدا لحلفائها العرب على صعيد القضية . فالهجمة التي ابتدأها ترامب على القضية وعلى حل الدولتين ودول عربية ، توقفت مع اجتماعاته مع حكام تلك الدول ، وتبعتها التصريحات المتوافقة تتحدث عن الحرب على الارهاب والخطر الايراني ، وتخلو من ذكر فلسطين وملفها .
تعلم امريكا بأن ليس للدول العربية ثقل حاسم في الحرب على الارهاب ولا ثقل حاسم في الحرب على ايران ، وتعلم أن الملف الفلسطيني هي الأولويه العربيه . لكن الأمر لأمريكا ليس أكثر من مشاغله او مناقله في اهتمامات العرب . وقد استغلت وجود اهتمامات خاصة جدا لدى بعض الدول العربية أدت لانقسامات في القناعات العربية ، مما سهل على الادارة الامريكية ايجاد توافق لدى الحكام العرب على اولويات متفقه مع اولويات اسرائيل .
فالقمة العربية تركت مؤشرات على أن ما حصل فيها كان توافقا عربيا فضفاضا أكثر منه اتفاقا عربيا . فلم نراها تحمل بعد انفضاضها مسألة ازالة الاحتلال وحل الدولتين الى أمريكا ولا حتى خطابا موحدا بشأن ازمة المنطقه أو تصورا للتسوية السلمية في سوريا . فنتائج الاجتماعات مع ترامب كانت مجرد اتفاقا على اهتمامات تخص امريكا واسرائيل وليس منها ما يخص ملف القضية الفلسطينية سوى الوعود باجترار مسلسل المفاوضات .
لدغت ادارة ترامب العرب ثانية من نفس جحر ادارة بوش عندما وعدتهم بالتفرغ لملف الاحتلال بعد الانتهاء من خطر صدام ،واليوم حلت ايران محله في مثال ترامب وكان الارهاب عاملا مشتركا ، وما كان محذور صدام الا كونه مشروعا لإحداث توازن عسكري معادي لاسرائيل في المنطقه ، تماما كما تنظر اسرائيل لايران اليوم .
ربما علينا أن نتذكر دائما بأن هدف امريكا كدوله يختلف عن هدف المكون اليهودي الصهيوني فيها . فبينما يقوم الأول على تسخير القوة العسكرية والسياسية للمصالح الاقتصادية كهدف ، يقوم الثاني على تسخير القبضة على مفاصل الدولة لخدمة المشروع الصهيوني الذي يشكل الشرق الاوسط مستقرا له وممرا للسيطرة على القرار العالمي. فالدول العربية هي في هذه المرحله محور السياسة الاسرائيلية الصهيونيه .
أين تقف القضية الفسطينية الان في سياسة ترامب الموجهه اسرائيليا . إن المؤشر نتلمسه في السلوك الثنائي في التعامل مع الازمة في المنطقه عسكريا وسياسيا . ويبدو منه أن ترامب قد أخذ المطلوب لاسرائيل من العرب في هذه المرحله بعد أن رمى رسالة التهديد على المعنيين من الحكام العرب والتي لاقت تفهما او رضوخا منهم على قاعدة «دبر راسك ».
فاسرائيل الأن وصلت لمرحلة استخدام العرب عونا لها في الضغط على الفلسطينيين وعصرهم لمشروعها ، وفتح الباب دون الشباك للاعتراف وللمصالحه بين العرب المهزومين واسرائيل المنتصره .فهي عندما نجحت في جعل قضية فلسطين شأنا اسرائيليا فلسطينيا وعزلت دول الجوار العربي عن التدخل المباشر بالقضية , ونجحت في تطبيع العلاقات العربية الاسرائيلية فوق الطاولة وتحتها فلم يكن ذلك الا مرحلة من استراتيجية سياسية .
والسيناريو المحتمل لهذا قد يكون باشراك دول الجوار العربي ومن اصبحت منها هكذا ، في مفاوضات مقبلة بين اسرائيل والسلطة ، يكونوا فيها ضاغطين وضامنين لتسوية لا تتعدى الخيار الاردني مهما كانت صيغته ومهام سمي بحل الدولتين أو غيره . فسكان الضفة الغربية سيكونوا جزءا من النسيج السياسي والاقتصادي الاردني . واسرائيل لن تتخلى عن السيادة على الارض . فهي لم تتخل عنها في ظروف أقل مواتاة لها .
إن ما يحصل معنا يحكمه المنطق ، فالشعوب المحرومة من الديمقراطية بحاجة لقادة وليس لحكام . والشعوب وزنها يساوي تأثيرها ولا وزن لها الا عندما تكون مصدر السلطه . والهزيمة راسخة في نفوس الحكام المعزولين عن التاريخ ومن شأنها أن تؤدي للاستسلام . بدون حرب ، والممكن المطلوب هو رفض التنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف .
لعل حكامنا وأعداءنا يعلمون بأن التغيير السياسي سنه بشريه تلامس السنه الكونيه و منطق التاريخ يقول أن الشعوب تتحرك بشراره . لقد قاد مشهد كان غير عادي في وقته الى ثورة الشعب العربي السلميه بعفوية ، وفشلت أمام جبروت المتضررين في الخارج فسرَّعوا مخططهم أمام هشاشة الجلادين . لكن التاريخ لا يتوقف والشعوب تنهض من تحت الرماد .