قدر البنك الدولي معدل النمو للناتج المحلي الإجمالي في مصر العام الجاري بمقدار 3.9%، على أن يرتفع إلى 4.6% في العام 2018.
صندوق النقد الدولي كان أكثر محافظة عندما قدر النمو في العام الحالي عند 3.5%، واستمرت المحافظة نفسها في تقديرات العام المقبل أيضاً.
الأخبار الطيبة في ذلك هي أنه رغم كل الظروف الصعبة، الأمنية وغير الأمنية، فإن الاقتصاد المصري مستمر في النمو وبمعدلات أعلى نسبياً من العامين السابقين، وفقاً لأرقام الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
رغم ما تبدو عليه مصر من أنها تحولت إلى ورشة عمل كبيرة بامتداد القطر طولاً وعرضاً وشمالاً وجنوباً، ورغم كل المشروعات العملاقة، ورغم كل جهود القوات المسلحة؛ فإن معدل النمو لا يزال متواضعاً للغاية، ومن ثم فإن اختراق الصعاب الراهنة في الاقتصاد من تضخم وبطالة وتراجع في قيمة العملة الوطنية لن يتغير قريباً.
أعرف أن كثيراً من الخبراء لا يعولون كثيراً على معدل النمو، ويركزون أكثر على توزيع العائد، والتنمية الشاملة التي تصل إلى الجميع، ولكن كل ذلك لا يمكن تحقيقه إلا إذا كان الاقتصاد ينمو بمعدلات مرتفعة.
المشكلة الأكبر أن ذلك يعني أن هناك خللاً هيكلياً في إدارة الاقتصاد القومي يجعل النمو سارياً في قطاعات مثل التشييد والبناء، بينما يتراجع في قطاعات أخرى، فتكون هناك إضافات في ناحية، وخروج من السوق الاقتصادي كلية في ناحية أخرى.
لاحظ هنا أن لدى مصر خلل هيكلي منذ البداية يتعلق بالمساحة الكبيرة التي يشغلها الاقتصاد غير الرسمي والتي يتراوح التقدير فيها ما بين ٣٥٪ و٥٠٪. مثل هذا الاقتصاد باعتباره غير رسمي فإنه من الصعب قياس المقدار الذي يضيفه إلى الناتج القومي؛ ولذلك فربما كان علينا مؤقتاً أن نضع ذلك جانباً ونركز على الاقتصاد الرسمي الذي كما رأينا يعاني من شح معدلات النمو.
المرجح بالنسبة للاقتصاد غير الرسمي هو أن نموه سوف يتوقف على ما يحدث في الاقتصاد الرسمي ارتفاعاً وانخفاضاً، وخاصة أنه لا توجد فرصة قريبة، وسياسات متوقعة، لإغراء الاقتصاد غير الرسمي أن يدخل تحت المظلة الرسمية في الدولة المصرية.
أسباب تأثر النمو في الاقتصاد الرسمي المصري عرفناها من قبل، فمنذ بداية عهد الثورات خرجت مشروعات كثيرة من السوق كلية، وما تبقى عمل لفترة طويلة أقل من طاقته بسبب عدم توفر الطاقة، ومرة بسبب ارتفاع سعر الدولار، ومرة بسبب الطاقة السلبية للممارسة والأعمال، ومرة بسبب إضرابات العمال، ومرة بسبب المنافسة غير المتكافئة داخل الاقتصاد المصري.
وهناك ما هو أكثر بالتأكيد، ولكن إذا كنا نعرف كل ذلك فلماذا لا تتغير الأمور ولماذا كل هذا البطء في تغيير ما يجب تغييره؟
على سبيل المثال فإن الرسالة التي قام عليها مشروع تفريعة قناة السويس الجديدة كانت أنه من الممكن تنفيذ مشروعات كبرى خلال فترة قصيرة من خلال حشد الموارد والعمل على مدار الساعة. لماذا يكون ذلك ممكناً، ولكنه يصير غير ممكن إذا ما تعلق بقانون الاستثمار، أو بتسهيل تيسير الأعمال، أو بحل مشكلات المصانع المتوقفة أو تلك التي تعمل بأقل من طاقتها؟!
المصريون يعلمون أنه لا يوجد في كل ما سبق قضية سهلة، ولكن في هذا الصدد لابد من أخذ أمرين في الاعتبار. أولهما أن التحديات الكبرى لا تتركنا، فالسباق الجاري في مصر بين التنمية والزيادة السكانية يحتم أن يأخذ معدل النمو الاقتصادي الدولة كلها إلى اختراق الفقر والتخلف، وهذا لا يمكن حدوثه لا بالمعدلات الحالية أو المعدلات المتوقعة خلال السنوات القليلة المقبلة؛ وساعتها لن تخفق فقط رؤية مصر 2030، وإنما سوف يكون للمعدلات الراهنة نتائج سياسية واجتماعية سلبية.
وهناك السباق الآخر بين التنمية والأمن وخاصة في سيناء وجنوب مصر؛ فضلاً عن السباق الإقليمي الذي يجعل دولاً أخرى في المنطقة آخذة في التفوق علينا، أما من تفوقوا علينا من قبل فإنهم يصلون إلى مستويات من التقدم يصعب اللحاق بها.
وثانيهما، أن ما نمر به من معضلات ليست جديدة على العالم، بل إن أياً من مشكلاتنا كانت جزءاً من تاريخ معظم بلاد العالم، ومع ذلك نجحت هذه الدول في تجاوزها، وكان المفتاح هو أن تنمو بمعدل يصل ويتجاوز 8٪ ولفترة زمنية متصلة لا تقل عن عقد من السنوات.
حدث ذلك في كل دول العالم التي سبقتنا وكثيراً ما يأتي ذكرها في أحاديثنا سواء كانت هذه الدول كبيرة مثل الهند أو الصين أو البرازيل، أو صغيرة بحجم سنغافورة، وفي كل هذه الدول كانت هناك تحديات استراتيجية بعضها كوني يتعلق بمكانة الدولة في النظام العالمي مثل الصين والهند، وبعضها أحياناً أخرى بتحديات وتهديدات حالة مثل كوريا الجنوبية في جوارها مع كوريا الشمالية، ولكن هذه الدول جميعاً جعلت معدلات النمو المرتفعة هي التي تقودها لأنها المفتاح ليس فقط لمواجهة التحديات الاقتصادية، وإنما أيضاً الاستراتيجية أيضاً.