كانت فلسطين تتصدر عناوين إعلامنا، كل الإعلام العربي، هي الأولوية، وهي محور اهتمامنا، وكانت هي نقطة الالتقاء بين كل البلاد العربية، فقد كان الكل يتسابق من أجل فلسطين، التقت الاتجاهات أم اختلفت، هناك بوصلة واحدة لا يخطئ مؤشرها، ولا تشير إلى غير القدس والأراضي المباركة.
اليوم اختلفت الأوضاع، هناك بلاد عربية أخرى تتمزق من الداخل، ومن الخارج هناك قوى تحتل عواصم عربية تحت مسميات كثيرة، وهناك داعش ومنظمات إرهابية تريد أن تزرع الخوف والرعب في كل الأراضي العربية، وهناك موت يسجل كل ساعة في دفاتر المراقبين، طائرة فوق أرياف سوريا، ومدفعية عند أبواب الموصل، وزوارق في البحار الموصلة إلى أوروبا، وأحزمة ناسفة، وسيارات مفخخة، وبراميل متفجرة تسقطها الطائرات، وحرب إشاعات على وسائل الإعلام الجديد، وخلافات حدودية على بضعة أشبار من الأرض الميتة، ورايات سوداء وصفراء تشق الصفوف وتمزق الأوطان.
وتراجعت فلسطين، أصبحت خبراً ينشر باستحياء في أسفل الصفحة الأولى، إذا وجد له مكان، وفي الداخل يحتل زاوية قصيرة وسط الزحام، لم تعد فلسطين محل اهتمامنا، فالأحداث متتالية، كل يوم هناك حكاية، من صواريخ كوريا الشمالية وحتى «مترو» سان بطرسبرغ، ومن قاعدة «الشعيرات» إلى «خان شيخون»، من موت إلى موت، في كنيسة أو مسجد، داخل حافلة تهجير أو بين جدران منزل.
وفي فلسطين، ليست هناك إثارة، فقط أحداث ثانوية لا يمكن مقارنتها بحروب القبائل في ليبيا، ولا تسمع مع تحركات الطوائف في العراق وسوريا، حفريات الأقصى ليست مهمة، واعتداءات المستوطنين على المصلين بثالث الحرمين الشريفين، أصبحت مكررة، حتى السلطة الوطنية أصيبت بالملل، وتتعامل مع إضراب 1500 سجين فلسطيني عن الطعام، كما تتعامل وسائل الإعلام العربية، إنه خبر لا يستحق غير قاع الصفحة الأولى، أو ركن مع أخبار العالم الآخر، فالذين كادوا يغرقون في البحر الأبيض المتوسط الأسبوع الماضي فقط، كانوا 1500 هارب من الجوع والموت إلى أوروبا، نفس عدد الذين يجوعون برضاهم داخل سجون إسرائيل!