اليوم تنتقل تركيا من حال إلى حال، نتيجة الاستفتاء الذي جرى يوم أمس، ولم تظهر نتائجه حتى كتابة هذا المقال. ستتبدل الأوضاع أياً كانت، فاز أردوغان بالنتيجة أم خسر، تركيا ستعبر تاريخاً وتكتب تاريخاً جديداً.
أول وعود الرئيس رجب طيب أردوغان لمؤيديه إذا نجح الاستفتاء أن يوقّع على قرار إعادة عقوبة الإعدام، قال في آخر تجمع عشية الاستفتاء إنه لن يتردد في التوقيع، وهذا يعني أن المشانق ستكون جاهزة لأولئك القابعين في السجون منذ انقلاب يوليو2016 الفاشل، وخاصة الجنرالات، ومن بعدهم أتباع بعض الأحزاب القومية وخاصة حزب العمال الكردي، وهذه فاتحة لا تبشر بالخير، بل تعكس صورة قاتمة السواد للمرحلة المقبلة.
النتيجة شبه محسومة، حتى قبل بدء التصويت وفرز الصناديق، الذين سيقولون نعم لتعديلات الرئيس الدستورية هم الموجودون في الساحة، ومن له رأي آخر يقمع ويتهم بالخيانة، فالاتجاه السائد عند الحزب الغالب، حزب الرئيس الحاكم والمنظم والقابض على كل المفاتيح، أن هذه البلاد بحاجة اليوم إلى رجل واحد، رجل يحكم ويشرع وينفذ ويحاسب ويكافئ ويعاقب، وبالقانون، فالرئيس لم يتعد على القوانين والأنظمة، ولم يتجاوز الدستور، هو ديمقراطي، اتبع كل الخطوات المنصوص عليها، ومنح السلطة التشريعية حقوقها كافة، وذهب إلى الشعب طالباً مباركته في الانتقال من دولة السلطات المتوازنة إلى دولة السلطة الواحدة، لتعود تركيا إلى الوراء مئة عام.
لن نقول كما يقول الأوروبيون، ولن نتوقع عصراً ديكتاتورياً، فهذه كلمة ثقيلة، واعتدت أن أتجنب استخدام الكلمات الثقيلة على القلب والسمع، مثل ليبرالية وديمقراطية واستبدادية وديكتاتورية، ولكننا سنقول إن تركيا، وفي هذه الظروف التي تمر بها المنطقة، ليست بحاجة إلى الانقسام والالتهاء بين أحزابها وقومياتها، فمن كانت النار مشتعلة على حدوده لا يشعل ناراً داخل بلاده، وقد كان أردوغان حاكماً منفرداً منذ أن تقلد رئاسة الحكومة قبل سنوات طويلة، وهو الحاكم الأوحد عندما أصبح رئيساً لتركيا، ورئيس الوزراء يتبعه بحكم الانتماء إلى الحزب والتوجه، ولكن للسلطة مغريات، وللتفرد استحقاقات، وللتشبه بالسلف تداعيات!