أصبح واضحاً الآن أننا أمام زمن جديد في طبيعة العلاقات الدولية وفي سلوك هذه الإدارة الأميركية حيالها. القوة هي التي تتحكم الآن كما يبدو بهذه العلاقات من وجهة نظر إدارة ترامب. وإذا كان لا بد من الحديث عن عمل ديبلوماسي، فإن هذا سيأتي تابعاً لعملية عرض العضلات هذه، ونتيجة لها، بدل أن يكون هو مفتاح حل الأزمات، والمفتاح الوحيد أحياناً، كما كان الأمر في ظل باراك أوباما.
أمامنا ثلاث أزمات دولية، تنفتح فيها احتمالات المواجهة على مصراعيها: مع نظام بشار الأسد ومع كوريا الشمالية، وفي الحرب على تنظيم «داعش» من سورية والعراق وصولاً الى أفغانستان، وهي الحرب التي تعهد ترامب خلال حملته الانتخابية بالقضاء الكامل على التنظيم بنتيجتها. وإذا كان لـ «أمّ القنابل» الأميركية التي ألقيت على مخابئ هذا التنظيم في شرق أفغانستان أن تقول لنا شيئاً، فهو أن إدارة ترامب مستعدة لإخراج أقوى ما في الترسانة الأميركية لإقناع خصومها ومن يقفون في صفّ المواجهة معها أنها لا تمزح، بل أن اللعب معها سوف يكون مكلفاً جداً. «أمّ القنابل» التي قال الخبراء العسكريون إن حمولتها من المتفجرات تصل الى 11 طناً تم تطويرها من قنابل كانت معدة للاستخدام ضد النازيين في الحرب العالمية الثانية، واكتشف الجيش الأميركي حاجته اليها لضرب مخابئ «القاعدة» خلال معاركه مع تنظيم أسامة بن لادن في جبال تورا بورا في مطلع العقد الماضي، بعد «غزوتي» نيويورك وواشنطن. ضربة أفغانستان تؤكد أيضاً ما يقوله عسكريون أميركيون من أنهم يملكون الآن حرية اتخاذ القرار في شكل أوسع مما كان وضعهم عليه في عهد باراك أوباما.
في هذا الجو العالمي المتوتر، ظهرت الأزمة المقلقة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. مراجعة الصفحات الأولى للصحف البريطانية صباح أمس وغيرها من صحف العالم تكفي للتأكد من مدى القلق الدولي من تطور هذا النزاع بين واشنطن وبيونغ يانغ، حيث صار الحديث عن «مواجهة نووية» أمراً عادياً. وفيما حذر ترامب من أنه مستعد لـ «حل مشكلة كوريا الشمالية» بمفرده إذا اقتضى الأمر، وإذا لم تساعده الصين على ردع جارتها الجنوبية، فقد طالب كيم جونغ أون الولايات المتحدة بوقف «الهستيريا العسكرية» وردّ بالتهديد بـ «تدميرها» إذا غامرت بأي ضربة ضد بلاده، ولو اقتضى الأمر استخدام السلاح النووي الذي تزعم بيونغ يانغ امتلاكه.
أما في سورية، فقد جاءت ضربة مطار الشعيرات درساً قابلاً للتكرار إذا تكرر استخدام السلاح الكيماوي من جانب النظام، وهو درس ليس لسورية وحدها، وفق مدير الـ سي آي اي» مايكل بومبيو الذي قال «الأكيد أن إيران لاحظت العمل العسكري الذي نفذناه في سورية». أما وزير الخارجية ريكس تيلرسون، فقد تعهد قبل توجهه الى موسكو للقاء سيرغي لافروف، بأن الإدارة الحالية «ملتزمة بأن تحاسب كل من يرتكبون جرائم بحق المدنيين في أي مكان من العالم». ثم أضاف الناطق باسم البيت الأبيض شون سبايسر الى ذلك: «إذا ألقيتَ الغازات السامة على طفل، أو ألقيتَ برميلاً متفجراً على أبرياء، فإني أعتقد أنك ستواجَه بردّ من هذا الرئيس». المسألة لم تعد تتعلق إذاً أو تقتصر فقط على السلاح الكيماوي. إنها مسألة مفتوحة لتقدير ترامب نفسه ولمزاجه، وعلى خصومه أن يستعدوا لكل الاحتمالات.
من بين هذه الاستعدادات ما حصل في موسكو قبل يومين في لقاء «الفرسان الثلاثة»، سيرغي لافروف ومحمد جواد ظريف ووليد المعلم. هدد الوزراء بأن أي ضربة أميركية جديدة في سورية ستؤدي الى «عواقب وخيمة، ليس فقط على الأمن في المنطقة بل على العالم أجمع». ولكن ماذا يعني هذا التهديد؟ وإذا كان هؤلاء «الفرسان» قادرين على تكبيد أميركا والعالم هذه «العواقب الوخيمة»، فلماذا لا يفعلون الآن، فيما هم يتحدثون عن «العدوان الأميركي» على سورية، الذي يخالف كما يقولون كل القوانين الدولية، تلك القوانين التي لا تتوقف أنظمة موسكو ودمشق وطهران عن «احترامها» يومياً؟!