من عنوانها تعرف الدروع البشرية بأنها استخدام مجموعة من البشر «المدنيين » كدرع يوضع أمام المناطق الحساسة والإستراتجية بغية منع العدو من الإقتراب منها ووضعه تحت ضغط وحرج أخلاقي يمنعه من إستهداف تلك المناطق الحساسة, و يأخذ الدرع البشري أشكالا أخرى، منها – مثلا- وضع رهائن أمام قوات متقدمة لمنع العدو من التصدي لها، كما يُصنف في خانة الدروع البشرية تخزين أسلحة ومعدات وتمركز وحدات عسكرية مقاتلة في مناطق مأهولة بالمدنيين.
الدروع البشرية قديمة بقدم الحروب، وقدم المواقف غير الأخلاقية فيها، لكنَّ أقدم وقائع عسكرية ذُكرت فيها تعود للقرون الوسطى الغربية وكذلك للقرون الإسلامية الوسطى, فأول من استخدم هذه الحيلة غير الأخلاقية من الغرب هم البريطانيون والأميركان في القرن الثامن عشر الميلادي في كندا عندما واجهوا الجيش الفرنسي في قرية « شامبيلي », أما في القرون الوسطى الإسلامية فقد إستخدم الملك الأيوبي الكامل ابن الملك العادل عندما منع أهل مصر من الخروج من مدنهم بعدما هجم عليهم الإفرنج, فمنعهم الملك الكامل من الخروج وإحتمى بهم وجعلهم دروعاً بشرية في محاولة لجعل العدو تحت ضغط وحرج أخلاقي!!…
وهذا ما ذكره ابن الأثير في كتابه « الكامل في التاريخ » حيث قال ((وَأَشْرَفَ سَائِرُ الْبِلَادِ بِمِصْرَ وَالشَّامِ عَلَى أَنْ تُمْلَكَ، وَخَافَهُمُ النَّاسُ كَافَّةً، وَصَارُوا يَتَوَقَّعُونَ الْبَلَاءَ صَبَاحًا وَمَسَاءً. وَأَرَادَ أَهْلُ مِصْرَ الْجَلَاءَ عَنْ بِلَادِهِمْ خَوْفًا مِنَ الْعَدُوِّ، {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ}ص:3، وَالْعَدُوُّ قَدْ أَحَاطَ بِهِمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَلَوْ مَكَّنَهُمُ الْكَامِلُ مِنْ ذَلِكَ لَتَرَكُوا الْبِلَادَ خَاوِيَةً عَلَى عُرُوشِهَا، وَإِنَّمَا مُنِعُوا مِنْهُ فَثَبَتُوا.))…
ومن هنا يأتي أصل هذه الحيلة غير الأخلاقية وغير الإنسانية الذي هو بالأساس من فكر أئمة وشيوخ التيمية, فما فعله الأجداد سلفاً يمارسه الأحفاد في هذا العصر, وعندما قلت في العنوان بأن الدروع البشرية حيلة عصرية جذورها تكفيرية, لا أقصد بأنها فكرة مستحدثة بل إن تلك الحيلة غير الأخلاقية قديمة لكنه قد تم الإتفاق على منعها دولياً في القرون الحديثة, حيث يمنع البروتوكول الإضافي لاتفاقيات جنيف (المادة7) منعا كليا استخدام الدروع البشرية خاصة الأسرى، كما أن اتفاقية جنيف لعام 1929 تُلزم الطرف المسيطر على الجبهة بإخلاء أسراه في أسرع وقت ممكن وإبعادهم عن جبهات القتال، ومن ضمن الأسباب الكامنة وراء هذا الإلزام الخوف من استخدام الأسرى دروعا بشرية.
لكن ما نراه اليوم من قيام عصابات داعش الإرهابية من أفعال وإستخدام للدروع البشرية من أسرى ومدنيين وحتى المعاقين عقلياً هو عبارة عن سير على نهج أئمتهم وشيوخهم معرضين عن كل القيم الإنسانية والأخلاقية والإسلامية والقانونية من أجل أن يحموا سلطانهم وحكمهم ويقيمون دولة على جثث الأبرياء من نساء وأطفال وشيوخ مدنيين, يقول رجل الدين الصرخي في المحاضرة الثالثة والثلاثون من بحث « وقفات مع توحيد التيمية الجسمي الأسطوري » {{… أـ واقع مجريات الأمور وكما نقل ابن الأثير يثبت أنّ الكامل مَنَعَ الناس لكي يحتمي بهم، وإلّا لما هَرَب السلاطين وقادتُهم وعساكرُهم كلُّهم أمامَ الفِرِنج في دمياط وما جاورها وغدروا بالناس هناك وتركوهم مُجَرَّدين أمام الفِرِنج، ثم لم يرسلوا لهم أي نجدة، وهم يقاومون المحتلّين لأشهر فالعيب في السلاطين وقادتهم وليس بالناس.
ب ـ ما ذَكَرَه ابن الأثير عن واقع ما حَصَلَ من ابن العادِل يستحضر عندنا ويؤسس اليقين والجَزم بأنّ ما يحصل اليوم في مدننا الحبيبة التي يحتلّها المارقة من منع الناس من الخروج واتّخاذهم دروعًا بَشَريّة ((من أجل الاحتماء بهم والحفاظ على مملكته وسلطانه وجاهه وأمواله ومناصبه، وهو كان أوّل الهاربين، كانوا مع قادتهم من أوّل من هرب أمام الفرنج))، لها أساس تيمي داعشي تكفيري تاريخي ومن تطبيقاته ما حصل لأهل مِصر واتخاذ ابن العادل لهم دروعًا ..}}.
فالمارقة التيمية يكرّرون أفعالهم القبيحة باتخاذ الناس دروعًا بشرية في مدننا الحبيبة خصوصاً مدينة الموصل الحدباء حيث جعل الداواعش أهلها دروعاً بشرية من أجل ان يحافظوا على دولتهم الزائفة الزائلة وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على إن كل الشعارات التي يرفعونها هؤلاء الشرذمة التكفيرية هي عبارة عن شعارات زائفة خصوصاً التي يدعون من خلالها حماية الإسلام والمسلمين, بينما جعلوا أجساد وارواح المسلمين خصوصاً من هم على مذهب أهل السنة والجماعة دروعاً لتحمي الدواعش ودولتهم الخرافية الأسطورية, فمن يدافع عن الآخر الآن ؟ ومن الذي يحتمي بالآخر ؟ وهل هذا الأمر هو على سنة النبي « صلى الله عليه وآله وسلم » حتى ترفعون شعار دولتكم على منهاج النبوة؟ بل هو على منهاج أئمتكم التكفيريين الأمويين والمروانيين والأيوبيين.