نون والقلم

مجازر كيماوية وطائفية تشغل المنطقة

قبل أن تنتهي فترة اختبار الرئيس المحددة بأول مئة يوم، أعلن دونالد ترامب أنه رسم من جديد الخط الأحمر الذي عجز سلفه الرئيس باراك أوباما عن رسمه في سورية.

وكان بهذا الإعلان يشير الى الهجوم الكيماوي الذي شنته قوات بشار الأسد في الغوطة الشرقية عام 2013، الأمر الذي واجهه أوباما بالتهديد بضربة عسكرية موجعة كعقاب على سقوط 1300 ضحية.

ولكن تلك الضربة لم تحدث بسبب تدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تعهد بتفكيك الترسانة الكيماوية السورية. ورد أوباما في حينه على منتقديه بأنه نجح في تفكيك السلاح الكيماوي بالطرق الديبلوماسية وليس باستخدام طرق القوة.

بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات، أخرجت سورية سلاحها الفتاك من المخازن المخفية لتحصد به أطفال بلدة خان شيخون. ومع أن الرئيس ترامب كان مشغولاً باستقبال الرئيس الصيني شي جينبينغ، إلا أنه وجد الوقت الكافي لاستشارة العسكريين الذين قدموا له ثلاثة سيناريوات: الأول، قصف مركّز بهدف شلّ كل قواعد سلاح الجو السوري. الثاني، قصف قاعدة الشعيرات التي انطلقت منها طائرة الموت الكيماوي. الثالث، قصف منزل الرئيس بشار الأسد في دمشق.

اختار ترامب السيناريو الثاني، الذي نفذته بارجة أميركية في المتوسط بإطلاق 59 صاروخ «توماهوك» على مطار الشعيرات. وكان المطلوب من هذه العملية العسكرية المحدودة الإبقاء على نافذة الحوار مفتوحة مع بوتين، الأمر الذي استوجب الابتعاد عن كل أذى يلحق بالجنود الروس.

وكان لافتاً خلال تلك الفترة القصيرة سرعة الإستدارة التي قام بها البيت الأبيض الذي اختار بين أولوياته إنزال الهزيمة بتنظيم «داعش» وليس إزاحة الرئيس السوري بشار الأسد.

واعتبرت الصحف أن تصريحات وزير الخارجية ريكس تيلرسون والسفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي، لم تكن أكثر من موقف مضلل، خصوصاً بعد اعترافهما بأن أولوياتهما لا تبدأ بإخراج الأسد من السلطة.

جون برادلي، المحلل السياسي البريطاني، ومؤلف أربعة كتب عن حروب الشرق الأوسط، اعتبر أن ضرب قاعدة الشعيرات الجوية السورية لم يكن أكثر من إنقلاب على موقف ترامب. وقد تمت عملية التنفيذ بواسطة ثلاثة جنرالات كانت الاستخبارات المركزية هي التي اختارتهم لضبط الشطط الذي يقوم به الرئيس الشعبوي. والجنرالات هم: وزير الدفاع جيمس ماتيس ووزير الأمن الداخلي جون كيلي ومستشار الأمن القومي هيربرت ماكماستر.

ومن أجل إلقاء الضوء على هذا الموقف المستجد، عقد وزير الدفاع جيمس ماتيس مؤتمراً صحافياً حذر فيه النظام السوري من استخدام السلاح الكيماوي مرة أخرى. وشرح أمام الإعلاميين حصيلة العملية التي استهدفت قاعدة الشعيرات، ودمرت عشرين في المئة من الطائرات العاملة فيها.

المهم في الأمر، أن التغيير السياسي الذي أحدثته الصواريخ الأميركية قاد وزير الخارجية ريكس تيلرسون الى موسكو. وقد ساعدته على إلغاء قرار التهميش الذي مارسه ضده الرئيس ترامب حينما استبعده عن اجتماعات البيت الأبيض مع قادة أجانب منهم رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو. علماً أن الرئيس الروسي بوتين رحب به، واعتبره صديقاً قديماً كونه خدم كمدير تنفيذي لشركة «اكسون موبيل».

واستغلت روسيا هذه الصداقة لتعرب عن غضب رئيسها بالإيحاء أن اجتماع تيلرسون مع الوزير سيرغي لافروف لا يضمن وصوله الى الكرملين ولقاءه مع بوتين. والثابت أن روسيا كانت في حاجة الى ترميم العلاقة التي دمرها هجوم خان شيخون.

ويبدو أن موسكو لجأت الى استخدام منطق التشكيك بجدوى الربح السياسي الذي سيجنيه الأسد من وراء عملية خان شيخون. وقال لافروف في الاجتماع الموسع: ما دام الرئيس السوري ضمِن تأييد ترامب وبوتين، فما هي منفعته من إحراج شريكه الروسي، ومن تعطيل حظوظه بالبقاء في الحكم؟

ومع أن لقاء تيلرسون وبوتين لم ترشح عنه أي معلومات جديدة، إلا أن النتيجة المتوقعة لا تستبعد مراجعة الدولتين حول إصرار واشنطن على إزاحة الأسد قبل استئناف المفاوضات… في حين تتخوف موسكو من الفراغ الذي ترفضه إيران أيضاً.

على الطرف الآخر من العالم العربي كانت طبيعة المجازر مختلفة عن الكيماوي، وعن كل ما يجيد صنعه النظام السوري.

ذلك أنه بعد الإعلان عن زيارة البابا فرنسيس مصر آخر هذا الشهر، وتعهد الرئيس دونالد ترامب بأنه سيكون مؤيداً للخطوات الأمنية والسياسية التي يقوم بها الرئيس عبدالفتاح السيسي. بعد كل هذا، وجه تنظيم «داعش» في ولاية سيناء ضربات مؤلمة استهدفت كنيستين، تزامناً مع «أحد الشعانين» واحتفالات الكنائس الثلاث (الارثوذكسية والإنجيلية والكاثوليكية) بعيد السعف.

وعلى خلفية مقتل 44 شخصاً وجرح أكثر من سبعين في مدينتي طنطا والإسكندرية، قرر الرئيس السيسي إعلان حالة الطوارئ مدة ثلاثة أشهر.

وبموجب هذا القانون يمنح مجلس النواب السلطة التنفيذية صلاحيات استثنائية واسعة أثناء تنفيذ أوامر مكافحة الإرهاب.

ومعروف أن منطقة شمال سيناء عانت من فرض حالة الطوارئ منذ عام 2014، أي عقب ازدياد حدة عمليات القتل ضد القوات المسلحة، وضد موظفي الدولة.

ومن المؤكد أن عمليات الانتقام نشطت بعد إقالة الرئيس السابق محمد مرسي، الأمر الذي فرض على جماعة «الإخوان المسلمين» إعلان الولاء لتنظيم «داعش». كذلك انتمى فريق آخر الى «القاعدة».

في البدء، أظهر الجيش المصري قدرة فائقة على مواجهة هذه المنظمات من خلال مراقبة مصادر التمويل والتسليح والمطاردة في كهوف سيناء والصحراء الغربية. وأخلى الجيش في سيناء أكثر من ألفي منزل على طول الحدود مع غزة. كذلك وضع أجهزة الكترونية متطورة لزيادة المراقبة بعد تدمير غالبية الأنفاق وإقفال معبر رفح.

بيد أن هذه الخطوات لا تعتبر بديلاً من المطاردة الميدانية. وهنا واجه الجيش صعوبة مضاعفة لأنه اضطر الى استخدام الطائرات العسكرية، الأمر الذي اضطره لإبلاغ إسرائيل بسبب خرق اتفاق «كامب ديفيد».

في مقابل تطوير استراتيجية الجيش المصري، قامت التنظيمات الإرهابية بتطوير نشاطها وتوسيع رقعة أعمالها، حيث استهدفت الأماكن السياحية ومحطات القطار. كما استهدفت الشخصيات الرسمية، وبينها المدعي العام هشام بركات. وذكر في حينه أن تنظيماً جديداً يسمّى «المقاومة الشعبية للجيزة» أعلن مسؤوليته عن قتل بركات كانتقام لإقالة محمد مرسي في 30 حزيران (يونيو) 2013.

وفق الباحثين في الحركات الإسلامية لم يبقَ في مصر أي زعيم روحي يوجه منظمات الإرهاب، مثل زعماء «القاعدة» وتنظيم «داعش». ونتيجة لهذا الوضع فإن المنظمات المصرية تستند الى جهات خارجية، بينها الكتب والنشرات التي أصدرها «أبو الحسن الفلسطيني»، الذي كان الزعيم الروحي لتنظيم «داعش» في القلمون (شمال لبنان).

وكانت الجهات الأمنية ذكرت في ربيع عام 2015 أنه يوجد في مصر مليونا قطعة سلاح غير قانونية… بعضها استُخدِم لقتل 500 شرطي، معظمهم كان موجوداً في سيناء أو القاهرة.

بقي السؤال المتعلق بتوقيت تفجير كنيستي مار جرجس في طنطا والمرقسية في الإسكندرية، وما إذا كان تنظيم «داعش» استهدفهما لأغراض محددة.

يقول الأنبا عمانويل عياد، مطران الأقصر ورئيس اللجنة المنظمة لزيارة البابا فرنسيس في 28 الجاري، إن تفجيرات الكنائس افتُعِلت خصيصاً من أجل حض الفاتيكان على إلغاء زيارة البابا. ولكن الرئيس السيسي الذي وجه الدعوة الى البابا، أراد أن تتم هذه الزيارة للاحتفال بمرور سبعين سنة على إقامة العلاقات الديبلوماسية بين مصر والفاتيكان. وهو يرى أن قرار الإلغاء ليس أكثر من انصياع الى مشيئة الإرهابيين. وهذا لا يجوز.

الهدف الآخر الذي يطمح الإرهابيون الى تحقيقه هو فصل الأقباط، الذين يشكلون أكثر من عشرة في المئة من سكان مصر، عن الرئيس السيسي الذي يكنّ لهم كل تقدير ومحبة. وهو في هذا الإطار مختلف في معاملته هذه الطائفة عن كل مَنْ سبقوه من الرؤساء.

وكان التقليد المتّبع في عهود جمال عبدالناصر وأنور السادات وحسني مبارك يقضي بإرسال ممثل عنهم للمشاركة في أعيادهم الدينية. ويبدو أن الرئيس السيسي كسر هذا التقليد، عندما قرر أن يشارك الأقباط بصورة شخصية، كنوع من التأكيد بأنه يعتبر نفسه رئيساً لكل المواطنين، وأنه لا ينظر الى الأقباط كمواطنين من الدرجة الثانية.

بقي أن نذكر في هذا السياق أن آخر قرار أصدره «الخليفة» أبو بكر البغدادي هو إحداث «عمل خارق» في كل دولة كانت ممثلة في التنظيم. وبسبب هذا التعميم الملزم حدثت ارتكابات في السويد وألمانيا وأفغانستان وبريطانيا وفرنسا…

وهناك شبه استنفار أمني لدى الدول المرشحة لصدمة شاحنات الدهس…

 

* كاتب وصحافي لبناني

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى