لن تراني الى يوم القيامة ..!
بوسعنا اليوم ان نقول ان احساسنا بالزمن، سواء الذي فات، وما يحتاجه منا من تتبع لآيات الله في الآفاق وتدبر احوال الامم: كيف تقوم وكيف تنهار، او الزمن الحاضر وما نعانيه من فراغ ولهو وعدم اكتراث بحركة الدول والاحداث من حولنا، او بالزمن القادم وما يحتاجه من تخطيط وتنبؤ واستدراك.. ان احساسنا بهذا الزمن – على انواعه – قد تراجع، ان لم نقل قد تلاشى فعلا، لا تسأل هنا عن حجم انتاجنا ولا على مستوى الحضارة التي هجرنا الى ادواتها المتقدمة وملأناها بالغث بدل السمين. وانما اسأل عن فهمنا لهذه الحياة.. ولهذا العمر القصير الذي ينقضي في معظمه بلا آثر.
في الاسلام ارتبطت معظم العبادات بالزمن، فالصلاة لها مواعيدها الثابتة، وكذلك الحج والصيام وسواهما، واقسم الله تعالى في اكثر من آية في كتابه العزيز بالوقت ومكوناته والعصر ان الانسان لفي خسر… والضحى والليل اذا سجى…، كما حث الاسلام على استثمار الوقت والاستفادة منه واعتبر ذلك الاستثمار هو الفارق ما بين المسلم الحق الجاد القادر على التأثير في حياته ومجتمعه وبين المستهتر الذي لا يقدًّر الامور حق قدرها ويكون – بالتالي – عبئا على مجتمعه وعلى الانسانية ايضا.
ولو تصفحنا تاريخنا الاسلامي وسيرة الصحابة والعلماء – وقبل ذلك سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام – لادركنا مدى احترام هؤلاء للزمن، فالدعوة الاسلامية انطلقت في ثلاث وعشرين سنة فقط للبشرية كلها، والمعارك والفتوحات الاسلامية اخترقت آنذاك حواجز الزمان وصنعت ما صنعت من امجاد، والتراث الاسلامي الذي كتبه الجهابذه في سنوات عمرهم القصير الامام النووي توفي عن 40 سنة وكتب مئات الالاف من الصفحات.. لم يكن يبلغ هذا المدى – على قلة الامكانيات آنذاك – لولا ان للوقت لديهم قيمة.. واي قيمة.
من حقنا اليوم وامتنا تتراجع في مسارها الحضاري ان نتساءل عما اذا كان قلة احترامنا للزمن هو السبب الاول لتخلفنا ونكوصنا، وعما اذا الوقت الذي نقضيه في اللهو والمتعة والثرثرة، هو ملك لنا فقط، ام ملك ووقف لامتنا كلها، وبالتالي فإن المفترض ان نحاسب هؤلاء المضيعين باعتبارهم سفهاء ومقصرين، لا مجرد لاهين وعابثين بملكيتهم الخاصة فقط، فعقوق الزمن ليس كفرا بالنعمة التي منحها الله تعالى لعبادة وانما ايضا كفر بمستقبل الامة، وبما اودعه الله فينا من ثروات مسخرة للعمارة والانتاج والبناء والنهضة.
يقول ابن مسعود رضي الله عنه ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت فيه شمسه، نقص فيه اجلي ولم يزد فيه عملي، ويقول الحسن البصري ان كل شمس تشرق تقول يا ابن آدم انا يوم جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمني فانك لن تراني الى يوم القيامة .
رحم الله من قال كل مفقود يمكن ان تسترجعه الا الوقت، ان ضاع لم يتعلق بعودته اي امل، وغفر الله لنا حين نهدر اوقاتنا ونظن ان الله لن يسألنا عنها، ونضيع اعمارنا دون ان نعي بأنها تشكل الحياة التي منحها الله لنا.. لنعبده ونعمّر كونه وننشر دعوته في العالمين.