أهمية لقاء وزيري الخارجية الأميركي والروسي في موسكو هي اللقاء ذاته، والعنوان المعلن هو مناقشتهما قضايا تهم البلدين في مقدمها القضية السورية. وعلى رغم الكلام العالي النبرة والمتناقض أحياناً الصادر عن الطرفين، هناك حرص على قنوات الاتصال السياسية، بعدما انسحب الروس من التنسيق العسكري الميداني مع الجيش الأميركي في سورية.
حل سياسي للقضية السورية تطلبه واشنطن مصحوباً بكلام مختلف حول نزع الأسد وجذوره العائلية من الحكم. والأمر ذاته لدى موسكو التي تتمسك بالأسد، موحية بإمكان تخليها عنه في الوقت المناسب. الارتباك المقصود في كلام الدولتين العظميين نجده أيضاً في مواقفهما من الضربة الكيماوية على خان شيخون، فإذ يدعو الطرفان إلى هيئة تحقيق دولية في الضربة، يصاحب الدعوة كلام روسي على اتهام المعارضة المسلحة بامتلاك مستودع للسلاح الكيماوي أصابته قذائف الطيران السوري، أو بأن هذه المعارضة اختلقت آثار الكيماوي وصور ضحاياه. وفي المقابل، تستبق واشنطن هيئة التحقيق بتأكيدها أن النظام السوري هو من نفّذ الضربة وتذهب إلى حد الظن بمعرفة روسية مسبقة بالجريمة قبل ارتكابها.
الارتباك الروسي والأميركي المقصود يلقي بظلاله على الدول الكبرى ودول الإقليم مهما كان موقفها، فكأن الجرائم اليومية تحدث في كوكب بعيد من سورية، وكأن الوصول إلى الحقيقة يتطلب تحليلاً للاتهامات الجاهزة التي يتبادلها أطراف الصراع، فلا يبقى من الحقيقة إلاّ منطق الواقع الذي يفيد بانهيار الدولة والمجتمع في سورية إلى حدّ خطير، وخضوع من تبقّى من السكان إلى سلطات غير مسؤولة تتصارع في ساحة مفتوحة لا في وطن له أهل ومصالح تعنيهم قبل أي جهة منخرطة في الصراع المعقّد.
ينهي وزير الخارجية الأميركي زيارته الروسية حاملاً الملف إلى البيت الأبيض، لتبقى المعارك على حالها مع العناية بعدم اصطدام عسكري على أرض سورية أو في فضائها. ثمة محاولة لتدوير الزوايا ستتواصل مع التبريد السياسي. يردّد ترامب عدم رغبته باحتلال سورية كما احتل جورج بوش الابن العراق، لكن مشاريع المناطق الآمنة تعود إلى الواجهة مجدداً، بدعوى إيجاد أمكنة لإيواء النازحين السوريين في بلدهم، فلا يضطرون للإقامة في بلاد قريبة أو بعيدة.
وإذا كانت تركيا تطمح للهيمنة على الشمال السوري «الآمن» مع معاناتها من الوجود الكردي غير الصديق، فإن الكلام على منطقة آمنة في جنوب سورية هو ما يطرح مشكلة، خصوصاً أن الأردن غير متحمّس تماماً للهيمنة عليها بسبب اليد الإسرائيلية القريبة وامتداد هذه اليد المحتمل إلى نقاط تمركز «حزب الله» في جنوب دمشق، وصولاً إلى درعا، كما في جنوبها الآخر المؤدي إلى الجولان المحتل.
جنوب سورية مكان الحدث اليوم، على رغم الصراعات في غربها ووسطها وشرقها وشمالها وغربها، حيث «داعش» و «القاعدة» وفصائل المعارضة والأتراك والإيرانيون والأميركيون والروس.
ويشعر اللبنانيون برياح الجنوب السوري اللاهبة، لكنها لا تصل إلى ذوي البشرة المثلجة الذين يحكمون وطن الأرز ويمتصون أرزاق أبنائه ويتاجرون بالإيمان على أرصفة الفساد. و «حزب الله» المطلوب ضرب وجوده في جنوب سورية لن يضمن عدم اللحاق به إلى جنوب لبنان، فلا أحد يتوقع المفاجآت التي يحملها تقاطع المصالح الإسرائيلية مع المصالح الدولية بإيجاد منطقة آمنة في جنوب سورية.
وفي ثنايا الأخبار كلام جانبي لمسؤول في القوات الدولية في جنوب لبنان حول مسؤوليتها في المحافظة على أمن السكان أثناء الحروب، بما في ذلك إنقاذهم من قصف يعرّضهم للخطر. هذا واجب من حيث المبدأ، فلماذا يدور الكلام على الواجب في هذه الأيام بالتحديد؟